أمريكا ليست مؤسسة
بول كروجمان
آخر تحديث:
الأربعاء 18 يناير 2012 - 9:25 ص
بتوقيت القاهرة
«الجشع لن ينقذ فقط شركة تيدلر للورق، وإنما تلك المؤسسة المعطلة الأخرى المسماة بالولايات المتحدة الأمريكية». هكذا أنهى جوردون جيكو خطابه الشهير بعنوان «الجشع أمر جيد» فى فيلم «وول ستريت» عام 1987. وفى الفيلم، نال جيكو جزاءه. ولكن فى الحياة الواقعية انتصرت مدرسته، واعتمدت السياسة على أن اعتبار الجشع أمرا جيدا كان سببا رئيسيا وراء تزايد دخل أغنى واحد فى المائة من السكان بمعدل أسرع كثيرا من زيادة دخل الطبقة المتوسطة.
ولكن، دعونا نركز اليوم على بقية تلك الجملة، التى تقارن أمريكا بالشركة. وهى أيضا فكرة حازت قبولا واسع النطاق. وهى المرتكز الرئيسى فى ادعاء ميت رومنى أنه يحب أن يكون رئيس الجمهورية: فهو فى الواقع، يؤكد أن إصلاح اقتصادنا المريض بحاجة إلى شخص حقق نجاحا فى مجال الاستثمار.
وبذلك، يستدعى الأمر بالطبع التدقيق فى حياته المهنية. وهو ما يكشف أن هناك على الأقل مسحة من جوردون جيكو اتسمت بها فترة عمله فى شركة باين كابيتال الخاصة للأسهم، حيث كان يتولى بيع وشراء الشركات، على حساب العاملين لديها غالبا، أكثر من كونه شخصًا يدير الشركة على المدى الطويل. (ومتى أيضا سيكشف عن حساباته الضريبية)؟ كما أنه لم يستطيع تعزيز مصداقيته من خلال مزاعم لا يمكن تأكيدها حول دوره باعتباره «خالق الوظائف».
●●●
ولكن هناك مشكلة أعمق تتعلق بفكرة أن هذه الأمة بحاجة إلى رجل أعمال ناجح ليكون رئيسا: فأمريكا ليست شركة فى الواقع. وصنع السياسات الاقتصادية الجيدة لا يشبه على الإطلاق تعظيم أرباح الشركات. ورجال الأعمال ــ وحتى كبار رجال الأعمال ــ ليست لديهم، بصفة عامة، أى أفكار خاصة عما يلزم لتحقيق الانتعاش الاقتصادى.
ولا يشبه الاقتصاد القومى الشركات لسبب: وهو أن الاقتصاد القومى لا يوجد فيه صافى دخل ببساطة، ولسبب آخر: أن الاقتصاد بشكل عام أكثر تعقيدا من أكبر شركة خاصة.
غير أن الفكرة الأكثر ملاءمة لأوضاعنا الحالية، أن حتى الشركات العملاقة تبيع الجزء الأكبر من إنتاجها لآخرين، وليس لموظفيها بينما حتى البلدان الصغيرة تبيع معظم ما تنتجه لنفسها، كما أن الدول الكبرى مثل أمريكا تعتبر إلى حد هائل العميل الرئيسى لنفسها.
صحيح أن هناك اقتصادا عالميا. ولكن ستة من كل سبعة عمال أمريكيين يعملون فى صناعات خدمية، وهى معزولة إلى حد كبير عن المنافسة الدولية، وحتى شركاتنا الصناعية تبيع أكثر انتاجها إلى السوق المحلية.
وتشكل حقيقة أننا نبيع فى الأغلب لأنفسنا، اختلافا عندما يتعلق الأمر بالسياسة. ولنتأمل ما يحدث عندما تجرى إحدى الشركات عملية قاسية لتخفيض التكاليف. فمن وجهة نظر مالكى الشركة (وهى ليست وجهة نظر العمال)، كلما زادت التخفيضات فى التكلفة كلما كان ذلك أفضل. لأن كل دولار يخصم من جانب التكلفة فى الميزانية يضاف إلى صافى الدخل.
ولكن المسألة تكون مغايرة للغاية عندما تخفض الحكومة الإنفاق فى مواجهة الركود الاقتصادى. ولننظر إلى اليونان، وإسبانيا، وأيرلندا: جميعها تبنت سياسات تقشف شديدة. وفى كل حالة، ارتفعت معدلات البطالة بصورة حادة، لأن التخفيضات فى الإنفاق الحكومى أثرت بالأساس على المنتجين المحليين. وفى كل حالة، كان تخفيض عجز الموازنة أقل كثيرا من المتوقع، بسبب تراجع العائدات الضريبية مع انهيار الناتج ومعدلات العمالة.
●●●
ولكى نكون منصفين، فإن العمل بالسياسة لا يستدعى بالضرورة أن تمتلك استعدادا لإدارة السياسة الاقتصادية، أكثر من كونك رجل أعمال. لكن السيد رومنى هو من يدعى أن عمله المهنى يجعله مناسبا بوجه خاص لرئاسة الجمهورية. هل تذكر أن آخر رجل أعمال أقام فى البيت الابيض كان يدعى هربرت هوفر؟ (إلا إذا كنت ستحسب الرئيس السابق جورج دبليو بوش).
ويبرز تساؤل أيضًا عما إذا كان رومنى يدرك الفارق بين إدارة شركة وإدارة اقتصاد. وقد كنت كعديد من المراقبين أدهش أحيانا من دفاعه الأخير عن تاريخه فى شركة باين بالتحديد، حيث إنه فعل نفس ما فعلته إدارة أوباما عندما سعت لإنقاذ صناعة السيارات، فقامت بتسريح العاملين. وربما يظن المرء أن على السيد رومنى ألا يتحدث عن سياسة ناجحة للغاية، لقيت فى حينها إدانة من جميع أعضاء الحزب الجمهورى تقريبًا، بمن فيهم هو نفسه.
ولكن ما أدهشنى فعلا الكيفية التى صور بها السيد رومنى تصرفات أوباما قائلا: «إنه فعل ذلك فى محاولة لإنقاذ الشركات» لا، ليس ذلك صحيحًا، إنما فعل ذلك لإنقاذ الصناعة، ومن ثم إنقاذ الوظائف التى كنا سنخسرها، لولا ذلك، مما يفاقم الركود الأمريكى. فهل يفهم السيد رومنى الفارق؟
ولا شك أن أمريكا بحاجة إلى سياسات اقتصادية أفضل عما لديها الآن وبينما تقع مسئولية السياسات الرديئة على الجمهوريين ومعارضتهم المستميتة لأى شىء إيجابى، إلا أن الرئيس ارتكب بعض الأخطاء المهمة. لكننا لن نشهد سياسات أفضل إذا كان الرجل الذى سيجلس فى المكتب البيضاوى العام المقبل يعتبر وظيفته بمثابة التخطيط لصفقة شراء مؤسسة أمريكا.