عن كرامة المواطنين واللصوص
حسام السكرى
آخر تحديث:
الأحد 18 يناير 2015 - 7:40 ص
بتوقيت القاهرة
بعبارات مليئة بالسخرية، زفت لنا الصحف خبر عامل شاب مات «فرحا»، بعد حصوله على «أنبوبة بوتاجاز». نشر الخبر فى كثير من الصحف والمواقع التى أبرز بعضها اسم المواطن المسكين فى العنوان. بل وأضاف موقع صحيفة كبرى صورة «أرشيفية» لرجل يحتضن أنبوبة غاز وسط ضحكات الواقفين.
يصعب أن نتصور شعور أهل المتوفى وهم يقرأون الصحف ويرون اسمه يتحول إلى مضغة فى الأفواه، ويشاهدون كيف نحول ذكراه إلى دعابة سخيفة، وسط تسابق محموم لترويج القصة فى انتهازية «شعبوية» ممجوجة.
الفبركة فى القصة واضحة. فلا يوجد فى الطب الشرعى ما يسمى بالموت فرحا. ومن يقرأ الخبر سيعرف أن العامل الشاب مات بسبب هبوط مفاجئ فى الدورة الدموية، بعد أن وقف فى الطابور مدة وصلت إلى ثلاث ساعات.
من المؤسف أننا اعتدنا انتهاك كرامة الناس خاصة إذا كانوا من الفقراء أو غير ذوى النفوذ. إذ لم يعد غريبا أن نقرأ فى الصحف أسماءهم، وأعمارهم، ومحلات إقامتهم لو ارتبطوا بأتفه المخالفات. بل واعتدنا وصمهم بالإجرام ونشر صورهم قبل بدء المحاكمة، فى تجاهل تام لقاعدة عادلة ومقدسة تقول: إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
يلتزم الإعلام بهذه القاعدة، فى حالات قليلة. منها ما حدث عندما أطلق قاضٍ الرصاص على مواطن فى مشادة مرورية، فأصابه فى مقتل. أبدى الإعلام تفهما لضرورة حماية المتهم، فحجب الاسم والصورة. ولم ينشر حتى حروف الاسم الأولى.
من المؤسف أيضا أننا اعتدنا مشهد القبض على متهمى قضايا الآداب وهم شبه عرايا. وهو مشهد تحول إلى كليشيه سينمائى لا يقل حضوره قوة فى الأذهان عن مشهد الضابط وهو يصرخ فى الميكروفون «سلم نفسك يا عطوة.. المكان محاصر»!
فى مداهمات الآداب تصل السيارة النصف نقل، ويهرع المخبرون للداخل، ثم نشاهد المقبوض عليهم يدفعون إلى الخارج أنصاف عرايا، وهم يجتهدون فى تغطية أجسادهم بملاءات أو قطع من القماش.
لا أعلم إن كان هذا المشهد قد خرج من السينما إلى الواقع أو العكس. وقد استعدته عندما كنت أتابع قضية ضحايا حمام باب البحر، الذين خرجوا شبه عرايا تحت أنظار فريق تصوير تليفزيونى سجل الواقعة ونقلها للملايين.
بعض ضحايا هذه المأساة، الذين حصلوا جميعا على البراءة، قالوا إنهم كانوا قد ارتدوا ملابسهم بالفعل وأوشكوا على مغادرة الحمام الشعبى، إلا أنهم أرغموا على خلعها بعد إلقاء القبض عليهم!
حماية الكرامة مبدأ لا ينبغى السماح بانتهاكه، حتى ولو كان الإنسان مجرما. ولو دافع البعض عن ضرورة إلقاء القبض على المتهمين فى حالة «تلبس»، ونقلهم لقسم الشرطة بدون ملابس، بدعوى ضرورته لإثبات الحالة، سيكون علينا أن نفعل الشىء نفسه مع المتهمين كلهم بصرف النظر عن نوع القضية. لو ضبط نشال مثلا، سيكون على رجال الشرطة تثبيت يده فى المحفظة التى كان ينشلها بلاصق فعال، ثم تثبيت المحفظة فى جيب المواطن «المنشول» وحملهم جميعا إلى القسم لإثبات التلبس!
إلا أننا قد نواجه مشكلة فى الحالات التى يتعذر فيها اللصق والتثبيت والنقل. فكيف نتعامل مع لص يسرق سيارة؟ وماذا نفعل لو ضبطنا مسئولا وهو يسرق بلدا؟