فضيحة غير مسبوقة
فهمي هويدي
آخر تحديث:
الإثنين 18 يناير 2016 - 10:50 ص
بتوقيت القاهرة
اما حدث مع المستشار هشام جنينة ليس أزمة، لكنه فضيحة غير مسبوقة فى مصر. إذ رغم أن خلفيات القصة لم تعرف تفصيلاتها بعد، إلا أن القدر الذى تسرب منها حافل بالإثارة وعناصر الدهشة. ذلك أن الرجل أعد دراسة عن تكاليف الفساد فى مصر بناء على طلب وزير التخطيط. الذى كان مهتما بإنجازها قبل موعد اليوم العالمى لمكافحة الفساد فى ٩ ديسمبر.
وكان الوزير أشرف العربى قد سبق له تشكيل لجنة فى إطار وزارته لدراسة الموضوع، واختار من جانبه اثنين من خبراء جهاز المحاسبات لتمثيله ضمن أعضائها. لكن الخبيرين وجدا أن لجنة وزارة التخطيط اعتمدت على بيانات منشورة فى الصحف المصرية، واعتبرا أن تلك البيانات غير مدققة. وأن لدى جهاز المحاسبات تقارير أعدتها لجان فنية حول الملفات المطروحة. وبناء على ذلك تم الاتفاق على أن يقوم الجهاز بالمهمة. وبالفعل شكلت لجنة مثلت فيها ١٤ إدارة ذات صلة بالموضوع، سميت لجنة إعداد دراسة تحليل تكاليف الفساد. وقد وضعت تحت تصرف اللجنة التقارير التى سبق لخبراء الجهاز إعدادها. وظل وزير التخطيط يستعجل انتهاء اللجنة من مهمتها قبل ٩ ديسمبر حتى أنه أرسل من يمثله إلى رئيس جهاز المحاسبات أكثر من مرة لكى يطمئن إلى ذلك. وبالفعل أنجزت اللجنة الدراسة المطلوبة فى الموعد، وأرسلت نسختين منها واحدة إلى رئاسة الجمهورية والثانية إلى وزير التخطيط. وفى الصدارة منها نص صريح على أنها رصدت تكاليف الفساد فى مصر خلال ٤ سنوات فى الفترة ما بين عامى ٢٠١٢ و٢٠١٥.
تسرب الخبر إلى الصحفيين وسئل المستشار هشام جنينة أثناء حضوره إحدى المناسبات عما انتهت إليه لجنة تكاليف الفساد فقال لمندوبة موقع «اليوم السابع» إن اللجنة قدرت التكاليف فى السنوات ما بين عامى ٢٠١٢ و٢٠١٥ بنحو ٦٠٠ مليار جنيه. إلا أن الموقع نشر الرقم منسوبا إلى عام ٢٠١٥ وحده، فى حين أن مجلة «روزاليوسف» نشرت الخبر منسوبا إلى الأعوام الأربعة، كما ذكره المستشار جنينة.
بعد النشر حدثت مفارقة غريبة ومريبة. ذلك أنه رغم أن الإشارة إلى سنوات الدراسة الأربع صريحة فى التقرير الذى أرسل إلى الرئاسة وإلى وزير التخطيط، إلا أن الضجة التى حدثت استندت إلى ما نشره موقع اليوم السابع وتجاهلت ما نشرته روزاليوسف. توالت بعد ذلك التطورات التى يعرفها الجميع. إذ شكلت لجنة لتقصى الحقائق لم تعرف قائمة أعضائها، وإنما عرف أن بعض الجهات الخاضعة لرقابة جهاز المحاسبات التى رصدت بحقها مخالفات، مثلت فيها. وخلال أسبوعين يفترض أن تكون اللجنة قد فحصت فيها البيانات التى أعدتها اللجان الفنية فى جهاز المحاسبات عن السنوات الأربع، ثم نشرت الصحف بعض ما خلصت إليه اللجنة المذكورة. وأبرزت ما ذكرته فى تقريرها عن تعمد التضليل وسوء النية فى تقرير جهاز المحاسبات. وإذ ألمحت إلى أن ذلك كان مقصودا لتشويه سمعة البلاد وتجريح حكم الرئيس السيسى خلال السنة الأخيرة، فإن التعليقات الصحفية تحدثت عن أن ذلك كان مقصودا لإثارة البلبلة والفوضى قبل موعد الذكرى الخامسة للثورة فى ٢٥ يناير. وبذلك أصبحنا إزاء مجموعة من المفارقات والأكاذيب تمثلت فيما يلى:
● إخفاء حقيقة أن تقرير جهاز المحاسبات كان بطلب من وزير التخطيط، وأنه تضمن نصا على أنه يخص أربع سنوات وليس سنة واحدة، وتجاهل حقيقة أنه قدم قبل ٩ ديسمبر بطلب من وزير التخطيط أيضا ليكون جاهزا قبل اليوم العالمى لمكافحة الفساد. ولا علاقة له بذكرى ٢٥ يناير.
● إنكار أن التقرير أعدته لجنة مثلت فيها ١٤ إدارة بجهاز المحاسبات لها صلة بالموضوع، وأن تلك اللجنة اعتمدت على تقارير مدققة أعدها خبراء الجهاز عن السنوات الأربع. ومن ثم فإن التقرير لم يكن رأيا لرئيس الجهاز وإنما كان بمثابة تجميع لخلاصة تلك التقارير الفنية خلال تلك السنوات.
● لجنة غامضة لإبداء الرأى فى تقرير فنى لم يطلع عليه أحد، وأعدت اللجنة تقريرها عن ٤ سنوات خلال أسبوعين، ولم ترسله إلى جهاز المحاسبات للرد على الملاحظات التى وردت فيها. وإنما جرى تسريب مضمونه إلى الصحف مباشرة. واعتمدت تعليقات وسائل الإعلام على ما ورد فيه من تجريح واتهامات.
● فى حين لم يطلع الرأى العام على التقرير الأول أو الثانى، ولا عرف حقيقة اللجنة التى أعدت الرد، فإن جريدة الأهرام الصادرة أمس (الأحد ١٧/١) نشرت تقريرا حول «أزمة أرقام جنينة» تخيرت له عنوانا على ثمانية أعمدة نصه كما يلى: نواب: الاعتذار للشعب أو الإحالة إلى المحاكمة. وهؤلاء «النواب» لم يكونوا سوى نائب واحد نشرت الجريدة اسمه وصورته. وفى العدد ذاته تعليق لأحد الكتاب طالب فيه بإقالة المستشار جنينة أو استقالته. وكان الكاتب ذاته قد امتدحه فى مقال سابق، بعدما زاره فى وساطة لصالح أحد المقاولين الكبار فى محافظة المنيا، ولكن الوساطة لم تنجح لأن الجهاز اكتشف أن المقاول كان ضالعا فى الفساد!
إن «لوبى» الفساد فى مصر أكبر وأخطر مما نتصور!