أزمة الصحة النفسية للمراهقين في عصر السوشيال ميديا
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 18 يناير 2025 - 7:30 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة النهار اللبنانية مقالا للكاتبة شذا حجازى، تناولت فيه التأثير السلبى لمواقع التواصل الاجتماعى على حياة المراهقين والمراهقات، والحلول المقترحة لمواجهة هذه المشكلة.. نعرض من المقال ما يلى:
فى عالمنا اليوم، تواجه صحة المراهقين النفسية تحديات متزايدة، ويُعتبر دور شبكات التواصل الاجتماعى أحد العوامل الأساسية فى هذه القضية. تختلف من حيث الشكل والوظائف، إذ إنها تقدم منصات متنوعة ومتعددة للأشخاص المستخدمين، من دون تكلفة مالية. تقدم جميع المعلومات التى يبحث عنها الأفراد، ويستخدمها بشكل يومى الملايين. فكل موقع يتميز بسمات خاصة، مثل إنستجرام، فيسبوك، تيك توك، وسناب شات، وغيرها الكثير. حتى على مستوى التوجهات، تختلف كل شبكة عن الأخرى، مما يتيح تنوعا فى المحتوى والرسائل.
لكن المشكلة الحقيقية ليست فى هذه المنصات نفسها، بل فى المحتوى الذى يُقدم عليها، بخاصة المحتوى الموجه إلى المراهقين والمراهقات. هؤلاء الشباب يتابعون المحتوى من دون انقطاع وبشكل مستمر، مما يجعلهم عرضة لتأثيرات عميقة قد تغير طريقة تفكيرهم وسلوكهم. قد يكتسبون معلومات وأفكارا لا تناسب أعمارهم، ويتحدثون فى أمور تفوق نضجهم.
فى الماضى، عندما لم تكن هذه المنصات موجودة، كان آباؤنا وأمهاتنا وأجدادنا يتعلمون المهارات والحرف من البيئة المحيطة. أما اليوم، فقد أصبح المراهقون وحتى الأطفال دون سن المراهقة، عرضة للتأثيرات السلبية نفسها التى تفرضها هذه المنصات.
أظهرت دراسة حديثة نُشرت فى أكتوبر 2024 بعنوان «أثر وقت الشاشة على جودة حياة المراهقين»، أن أكثر من نصف المشاركين (55.6%) يقضون أكثر من 10 ساعات يوميا أمام الشاشات. وكشفت عن ارتباط مباشر بين الاستخدام المفرط للشاشات وتدهور الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب تراجع الأداء الأكاديمى. الوضع أصبح مقلقا، إذ يغفل الأهالى عن تأثير هذه العادات، ويلجأ المراهقون إلى هواتفهم للتعامل مع أى مشكلة تواجههم. عندئذٍ، يصبح الهاتف وسيلة للهروب من الواقع، مما يؤدى إلى إيذاء النفس بشكل غير مباشر. وغالبا ما يتساءل المراهقون: «لماذا أشعر بهذا القلق المستمر؟ لماذا يلاحقنى هذا الشعور الغريب؟». كل هذه الأحاسيس تنبع من تأثير اللاوعى، إذ تتراكم المشاعر السلبية من دون أن يعى الشخص ذلك.
رغم ذلك، يعتقد كثيرون أن شبكات التواصل الاجتماعى مفيدة بفضل ما تقدمه من معلومات وفرص للتواصل، وتطوير المهارات، وحتى إيجاد فرص عمل. صحيح أن الإيجابيات موجودة، لكن التركيز على الجوانب السلبية ضرورى لفهم التأثير الكامل. السؤال هنا: إلى أى مدى يمكننا التغاضى عن التأثيرات السلبية، وإلى متى يمكننا تجاهلها؟
تتغلب سلبيات شبكات التواصل الاجتماعى فى بعض الأحيان مثل: زيادة القلق والاكتئاب كالتصفح المستمر لساعات طويلة يؤدى إلى مقارنة المراهقين أنفسهم بالآخرين، مما يضعف ثقتهم بأنفسهم ويزيد من مشاعر القلق. انخفاض تقدير الذات كالإدمان على المحتوى المثالى الذى يُعرض على هذه المنصات يجعل المراهقين يطاردون معايير غير واقعية، رغم أن المثالية فى الحقيقة مجرد وهم. التنمر الإلكترونى، كثيرون من الأهالى يغفلون عن خطورة التنمر الإلكترونى. على سبيل المثال، الفيلم الشهير Megan Is Missing يُبرز قصة ميجان، فتاة مراهقة تتعرض للخداع عبر الإنترنت، مما يؤدى إلى خطفها. القصة تسلط الضوء على مخاطر الثقة العمياء بالغرباء وأهمية الحذر عند التفاعل على الشبكات.
كيف يمكننا حماية المراهقين؟ لحماية المراهقين فى عصر السوشيال ميديا، يجب أن نبدأ بتعزيز التوعية داخل الأسرة، إذ يلعب الأهل دورا أساسيا فى مراقبة المحتوى الذى يستهلكه أبناؤهم وبناتهم، مع الحفاظ على حوار مفتوح وشفاف حول تجاربهم الرقمية. إلى جانب ذلك، يأتى دور المدارس فى تعليم التفكير النقدى ومساعدة الطلاب على تمييز الحقائق من الزيف، مما يحدّ من التأثيرات النفسية السلبية. يجب أيضا تشجيع الأنشطة البديلة مثل الرياضة والهوايات التى تتيح لهم استثمار وقتهم بطريقة إيجابية. أخيرا، تكمن مسئولية المجتمع فى خلق بيئة آمنة تدعم الصحة النفسية للشباب وتحميهم من مخاطر العالم الافتراضى، ليعيشوا حياة متوازنة مليئة بالفرص والنمو.