الثورة.. والأسلحة الروسية
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 18 فبراير 2014 - 5:40 ص
بتوقيت القاهرة
عندما تعقد مصر صفقة أسلحة ضخمة مع روسيا تتجاوز قيمتها الثلاثة مليارات دولار، فإن هذا لا يمكن أن يعنى إلا أن هناك تغييرات استراتيجية كبرى تستعد مصر للإقدام عليها، ربما يكون أهمها هو الخروج من الهيمنة الأمريكية، أو بمعنى أصح من «بيت الطاعة الأمريكى»، الذى ادخلنا فيه الرئيس الأسبق انور السادات، بعد تفريطه فى انتصاراتنا العظيمة فى حرب اكتوبر، وزيارته الغبية والمشئومة للقدس، والتى أكد بعدها أن 99% من أوراق اللعبة فى يد واشنطن، بدون مبرر سياسى ولا منطق أخلاقى..!!
فهذه الصفقة ــ وإن كانت قد تأخرت أكثر من أربعين عاما، إلا انها الطريق الوحيد لإيقاف سياسات السادات، التى انتهجها من بعده حسنى مبارك مرورا بالمجلس العسكرى والمعزول مرسى وصولا إلى المستشار عدلى منصور، وهى السياسات التى فرضت على الدولة اتباع نموذج اقتصادى يعادى العدالة الاجتماعية، ويركز الثروة الاقتصادية فى يد فئة صغيرة على حساب ملايين الفقراء، كما فرض علينا هذا التوجه الساداتى ــ الأمريكى الانسلاخ عن محيطنا الاقليمى واتباع سياسات مناهضة ومعادية لمصالحنا القومية، منها الاشتراك فى المؤامرة الامريكية لضرب العراق لإسقاط صدام حسين، والاكتفاء بالفرجة على سيناريوهات تقسيم السودان التى بدأت بالجنوب ولن تنتهى قبل تقطيعه لخمس دويلات متحاربة، وقبلها غزو اسرائيل للعاصمة اللبنانية بيروت، وأخيرا وليس آخرا بناء اثيوبيا سد النهضة بكل ما يمثله من أخطار على أمننا القومى..!
المشير السيسى بنجاحه فى إبرام هذه الصفقة التاريخية، يؤسس لمرحلة وطنية جديدة تعطى الفرصة لأى رئيس قادم أن يعيد بناء العلاقات المصرية ــ الأمريكية على أسس مختلفة، تقلل بمرور الوقت من المكونات الأمريكية فى صناعة القرار المصرى، وتوفر الشروط لبناء اقتصاد وطنى قوى بآليات جديدة تستهدف توزيع الثروة الوطنية بطريقة عادلة، وتعيد للقاهرة دورها المحورى فى محيطها العربى والإقليمى، ويقلل من التدخلات الأجنبية فى شئونها الداخلية، بما يحقق مصالح شعوبها.
ولكن كل هذه الأحلام ستكون فى مهب الريح ما لم تعمل السلطة فى مصر على بناء نموذج ديمقراطى للحكم يحترم حقوق الانسان وحرياته وكرامته ويوفر حياة كريمة لكل أبنائه، خاصة ان الإخوان الذين رفضوا هذه الصفقة، قدموا دليلا جديدا على استعدادهم للعب دول الطابور الخامس لمساعدة القوى الصهيونية لإعادة مصر من جديد تحت النفوذ الأمريكى، وهو امر يتطلب ضرورة التعامل بحنكة مع مخططات تنظيم الإخوان والدوائر الصهيونية والأمريكية التى تقف وراءه، والتى تستهدف استزاف طاقة الحكومة فى مواجهات مسلحة مع الإرهابيين، واستدراجها لاتخاذ إجراءات غير ديمقراطية تزيد من الشقاق بين فصائل المعارضة اليسارية والليبرالية وبين السلطة الجديدة فى مصر.
رغم هذه المؤامرات الإخوانية، هناك امل كبير فى المستقبل، وربما تكون هذه الصفقة هى اولى ثمرات ثورتى يناير ويونيو، لبناء دولة الحرية والعدالة الاجتماعية، أو على الأقل هى خطوة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها لتوفير الشروط اللازمة لبناء هذه الدولة التى انتظرناها منذ ثلاث سنوات، قمنا خلالها بثورتين ضد الاستبداد والإرهاب.