تحالف أبوالفتوح ــ صباحى: ما له وما عليه

ابراهيم عرفات
ابراهيم عرفات

آخر تحديث: الأحد 18 مارس 2012 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

تختبر مصر على حس انتخابات الرئاسة القادمة ثلاثة نماذج مختلفة ليس فقط للمرشحين وإنما أيضا للطريقة التى قد تدار بها شئون البلد بعد أن ينتخب واحد منهم. النموذج الأول هو «المرشح التوافقى». وهو نموذج معيب لأنه ضد أبسط قواعد الديمقراطية التى تمنح كل فرد الحق فى اختيار من يريده رئيسا بنفسه. فلو توافقنا على اسم الرئيس قبل الانتخابات فما الداعى لها أصلا؟ هذا لا يحدث فى الديمقراطيات. لا يمكن أن تأتى القوى السياسية لتقول للمواطن «استرح لقد تفاوضنا وتراضينا واخترنا لك»، كل ما عليك أن تستوفى الشكل فتذهب إلى صندوق الانتخابات لنأخذ لك أمامه صورة. ثم إن المرشح التوافقى لو أصبح رئيسا سيكون مقيدا بالتوافق الذى أتى به. ولو افترقت القوى التى توافقت عليه سيكون هو أول من يدفع الثمن عندما يفقد الاستقلالية اللازمة لممارسة مهام منصبه. وفيما أتصور حصل هذا النموذج على قدر من الاهتمام والنقاش ثم نحى جانبا.

 

والنموذج الثانى هو «المرشح الوكيل» الذى يخوض المنافسة بتوكيل غير مكتوب عن مصالح خارجية يجرى التحذير منها أو عن قوى محلية تريد أن يكون الرئيس القادم خاتما فى إصبعها. وهناك أسماء يرى البعض أنهم وكلاء عن دول كالولايات المتحدة أو السعودية، وآخرون يتردد أنهم مرشحون عن المجلس العسكرى أو جماعات رجال الأعمال. ونموذج «المرشح الوكيل» غير أخلاقى وغير وطنى ولا يملك الوعى بما يتطلبه الانتقال فى مصر بعد الثورة من جسارة وجرأة.

 

والنموذج الثالث هو «المرشح التحالفى» الذى يخوض المنافسة متحدا مع مرشح آخر من تيار غير تياره ليكون واحدا منهما رئيسا والآخر نائبا له. وهناك روايات يجرى تداولها عن بناء تحالفات بين بعض المرشحين أبرزها ما طرح حول التحالف بين الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والأستاذ حمدين صباحى الأول كرئيس والثانى كنائب له.

 

●●●

 

ولا شك فى أن للرجلين رصيدا محترما عند الناس. كلاهما يتمتع بمؤهلات ترشحه للتنافس منفردا على المنصب، ولهما قواعد شعبية يعولان عليها وأرضية جيدة ينطلقان منها. ولكل منهما سجل مشرف فى العمل الوطنى وسمعة تشهد لهما بالنزاهة. وقد استطاعا خلال الشهور الماضية أن يعبرا، كل بطريقته، عن رؤيتهما لمستقبل الوطن التى سيعملان على تحقيقها لو قدر لهما الفوز بالمنصب. كما أن الرجلين شاركا فى أحداث الثورة ولذا فهما قلبا وقالبا من نسيجها. ويحسب لهما أيضا أنهما لا يعانيان من تضخم «الأنا» أو «انتفاخ الذات»، ويمكن لك من سمتهما ولغتهما، سواء لغة الجسد أو اللسان، أن تلمس منهما حرصا على الاعتداد بالذات لا يصل إلى الزهو أو الغرور. كما أن كلا منهما وإن كانت له أيديولوجيته إلا أنه ليس من المغالين فيها بل يمارسان النقد الذاتى واستطاعا أن يعقدا تفاهمات معا وأن يجدا قبولا لدى قوى سياسية من خارج تيارهما.

 

لكن مقابل ذلك هناك محاذير على التحالف بينهما لا تتصل بشخصهما وإنما بفكرة «المرشح التحالفى» نفسها وبالظروف الدقيقة التى تمر بها مصر. فالتحالف الانتخابى بين رئيس من اتجاه ونائب من اتجاه آخر يحتاج إلى تحديد صارم لصلاحيات الاثنين ويحتاج أكثر إلى استعداد منهما للتقيد بتلك الصلاحيات. والمشكلة هنا لها علاقة بعلم النفس. فإذا كان بإمكانك أن تكون أولا فلماذا تقبل أن تأتى ثانيا؟ وحتى لو قبل أحدهما من أجل المصلحة العامة أن يأتى ثانيا فمن يضمن عندما تعتمل المشاعر أن ينفذ من الناحية الفعلية ما اتفق عليه من الناحية الرسمية؟.

 

ثم إن التحالف هنا ليس بين رجلين وإنما بين مدرستين فكريتين مختلفتين. صحيح أنه جرى تقارب فى السنوات الأخيرة بين التيارين الإسلامى والقومى اللذين ينتمى إليهما الرجلان، إلا أن أحدا لا يضمن حركة الأفكار عندما تدخل معترك السياسة. والعالم بحركتها يعرف أن التناقضات الفكرية تتصارع وتتناحر حتى وهى تحاول أن تتوافق وتبحث عن مشترك يجمعها. ثم ما الذى قد يحدث للتحالف بين الرئيس ونائبه لو أن تياريهما السياسيين فى البرلمان تصادما؟. هل سينتقل صراع البرلمان إلى مؤسسة الرئاسة؟ وهل سترضى التيارات الأخرى عن هذا التحالف أم سترى فيه احتكارا يجب تحديه وكسره؟ قد ترضى هذه التيارات به الآن بسبب الأوضاع الدقيقة التى تعيشها مصر. لكن هل ستظل تقبل به وهى ترى هذا التحالف يرسخ أقدام تيارين بالاسم فى السلطة؟

 

●●●

 

قد يكون التحالف الرئاسى بين الرجلين أو أى تحالف غيره حلا على المدى القصير لكسب الأصوات. لكن لما تبدأ ساعة العمل قد يتحول إلى عائق فى وجه العمل الديمقراطى. فالديمقراطية تعنى توسيع نطاق الاختيارات أمام المواطنين لا تضييقه. ومع أن نموذج «المرشح التحالفى» لا يلغى مساحة الاختيار كما فى نموذج «المرشح التوافقى» إلا أنه يضيق عليها. فالأصل فى الديمقراطية أن يخوض كل مرشح المنافسة بالأصالة عن نفسه وبرنامجه لو كان مستقلا أو بالنيابة عن تيار أو حزب، وأن يأتى نائبه من نفس خلفيته. وأنا أعلم باليقين أن لكل بلد ظروفا قد تضطره لإدارة ما يجرى على عكس ما يجب. لكن علينا أن نتذكر أن ما يجرى لو اختلف كثيرا عما يجب فلن يجرى على ما يرام حتى لو كان الرجلان من طراز إنسانى فريد مثل الدكتور أبوالفتوح والأستاذ صباحى. أنا لا أعترض على التحالف بينهما وإنما أرجو لو بنوّه أن يأخذا فى الحسبان كل ما يؤمن نجاحه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved