رئيس الفقراء
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 18 مارس 2014 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لا يمتلك المشير السيسى تاريخا سياسيا يمكننا من خلاله تصنيفه «أيديولوجيا» عندما يصبح رئيسا للجمهورية، لكن المؤكد أنه سيكون طبعة رئاسية جديدة، بالتأكيد لن يكون عبدالناصر الجديد الذى يكلمنا عن الحريات الاجتماعية والسياسية ويقمع بمنتهى العنف حقوق الإنسان ويفتح المعتقلات لكل مخالفيه فى الرأى، كما أنه لن يكون امتدادا للسادات الذى أقسم على أنه سيسير على خط عبدالناصر، وسار عليه فعلا ولكن بـ«أستيكة»، وبالقطع لن يستطيع السيسى ــ حتى إذا أراد ــ أن يعيد تجربة حسنى مبارك لأن المقدمات المتشابهة تؤدى إلى نتائج متشابهة، وفى حالة مبارك أدت إلى العزل ثم السجن. كما أنه وفى كل الأحول لم تتوافر للسيسى تجربة الرئيس جمال عبدالناصر الذى اكتسب خبرات سياسية كبيرة منذ مطلع شبابه، من خلال انضمامه لتنظيمات سرية كان بعضها دينيا مثل الإخوان المسلمين، وكان بعضها اشتراكيا قوميا مثل حركة مصر الفتاة وكان منها شيوعيا مثل تنظيم حدتو، كما لم تتوافر للسيسى ايضا تجربة السادات الغامضة والتى تسربت منها علاقاته بأجهزة مخابرات ألمانيا أو تلك التابعة للملك فاروق أو ارتباطاته بتنظيمات شبه عسكرية لاغتيال بعض السياسيين ثم فصله من الجيش وهروبه من الملاحقة الأمنية، كما أن السيسى بالتأكيد لا يريد أن يكرر ما فعله مبارك!
السيسى بالنسبة لنا لايزال رئيسا محتملا غامضا، الإشارات التى يمكن فهمها من تصريحاته فى العديد من المناسبات الأخيرة، متناقضة تماما، بعضها يشى بأنه يؤمن بالنيوليبرالية وابتعاد الدولة عن القيام بأى دور اجتماعى، وأن آليات السوق هى وحدها الكفيلة بحل كل مشكلاتنا ابتداء من أزمة البطالة إلى رفع الدعم عن السلع الأساسية، وهناك إشارات أخرى تكاد تنبئ بأن الرجل مع الفقراء والبسطاء والدليل على ذلك اهتمامه بأطفال الشوارع، وإشارات ثالثة يمكن من خلالها ملاحظة رغبة الرجل فى لعب دور الأب لكل المصريين بدعواته الأخلاقية لكل فئات الشعب بتقديم التضحيات من أجل مصر عن حب واقتناع، سواء بدعوته للموظفين بالتنازل عن راتب شهر للدولة أو مطالبته للطلاب بالذهاب إلى جامعاتهم سيرا على الأقدام، وهى أضعف الحلقات السياسية المحيطة بالرجل وبصورته كمرشح رئاسى ناضج!
الثابت حتى الآن، أن ترشح السيسى للرئاسة ووصوله للقصر الجمهورى، لا يضمن لنا أنه سيكون رئيسا جيدا، فحتى الآن نحن لا نعرف للرجل برنامجا سياسيا واضحا، ولا ندرى شيئا عن توجهاته الفكرية ولا انحيازاته الاجتماعية، وهل تؤثر عقليته العسكرية التى تعودت على عدم مناقشة الأوامر، على أدائه كرئيس ينبغى أن يكون ديمقراطيا لأبعد مدى؟! وهل يستطيع تحمل انتقادات بل ورزالات حادة لقراراته بدون أن يرد عليها بعنف؟.. ثم كيف سيواجه قطعان الذئاب النهمة للسلطة، أو الممولة خارجيا، أو صاحبة الحنين لزمن الفساد فى عهد مبارك، والتى تنتظر بلهفة أى خطأ له لتقترب خطوة من الاستيلاء على مفاصل الدولة
كوزير للدفاع، يمكنك أن تقول عن المشير السيسى إنه أنقذ مصر فعلا من السقوط فى المستنقع الإخوانى بكل فساده وأوحاله، وأوقف مخطط تحويلها إلى إمارة تابعة لعصابة لتنظيم الدولى، وإن الرجل لعب دورا بطوليا سيذكره له التاريخ فى مواجهة مافيا الإخوان، ولكنه كرئيس محتمل للجمهورية مازال هناك الكثير الذى ينبغى أن يقدمه لجمهور ناخبيه، وأن يدرك جيدا أنه لن ينجح إلا إذا كان رئيسا للفقراء.. فالملفات المطروحة أمام الرئيس القادم أيا كان اسمه صعبة ومعقدة، إما ان ترفع أسهمه إلى عنان السماء، أو أن تخسف به فى سابع أرض، ولا حل وسط!