أبعاد اتفاق قسد مع الإدارة السورية

رخا أحمد حسن
رخا أحمد حسن

آخر تحديث: الثلاثاء 18 مارس 2025 - 6:34 م بتوقيت القاهرة

 حدث تطور سريع فى المفاوضات بين الإدارة السورية الانتقالية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أدى إلى الإعلان يوم 10 مارس 2025 عن التوصل إلى اتفاق بين الجانبين وقعه كل من الرئيس السورى الانتقالى أحمد الشرع وقائد قوات قسد الكردية مظلوم عبدى، بشأن اندماج الإدارة الذاتية فى شمال شرقى سوريا وجناحها العسكرى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المكون الأكبر وقائدة قوات حماية الشعب الكردية، فى المؤسسات المركزية للدولة السورية، وتشكيل عدة لجان مشتركة تعمل على تنفيذ بنود الاتفاق فى كل المجالات، باعتبار أن الاتفاق يعد بمثابة خارطة طريق تتضمن عدة مبادئ عامة تتطلب المزيد من المباحثات حول تفاصيل وسبل تنفيذ كل منها.

• • •

وقد تضمن الاتفاق ثمانية بنود رئيسية تناولت بإيجاز ما يلى:

    •   ضمان حقوق جميع السوريين فى التمثيل والمشاركة فى العملية السياسية وجميع مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.

ويلاحظ أن صياغة هذا البند ليست قاصرة على فئة أو طائفة معينة، وإنما تنص على «جميع السوريين» أى أنها لا تخص الأكراد فقط وإنما تشمل كل الطوائف السورية الأخرى، حرصا من السلطة المركزية السورية على عدم التفرقة بين أى من طوائف الشعب السورى.

    •   أن المجتمع الكردى مجتمع أصيل فى الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه فى المواطنة وكل حقوق الدستور.

وينتقل هذا البند من العام الذى ورد فى البند الأول إلى المكون الكردى فى الدولة السورية وواجب الدولة فى ضمان وحماية حقوقه الدستورية، فى إشارة واضحة إلى مطلب كردى أساسى، وهو أن يتضمن الدستور السورى الجديد مواد تضمن صراحة حقوق الأكراد، وهذا بدوره سيجعل الطوائف السورية الأخرى، خاصة الدروز وغيرهم، يطالبون بأن يضمن الدستور الجديد حقوقهم.

    •   وقف إطلاق النار على كل الأراضى السورية.

وهذا بدوره يتطلب اتفاقات أخرى بين الإدارة السورية الجديدة والطوائف السورية الأخرى، لأن المنازعات المسلحة فى سوريا ليست فقط مع الأكراد فى شمال شرقى سوريا، وإنما فى مناطق أخرى من الأراضى السورية.

    •   دمج جميع المؤسسات المدنية والعسكرية فى شمال شرقى سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز.

ويعد هذا البند من أهم بنود الاتفاق التى تحتاج إلى مزيد من المفاوضات بشأن عملية الدمج لكل مكونات الإدارة الذاتية الكردية التى نشأت وتطورت على مدى نحو  14 سنة لتشمل كل نواحى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليم والثقافة، وما يتطلبه كل ذلك من تنظيم وإدارة ذاتية لها جناح عسكرى هو قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وهل سيتم دمج كل هذه المؤسسات دمجًا كاملاً وإدخال عناصر سورية غير كردية فيها، أم ستندمج كما هى بعناصرها الكردية مع تبعية قانونية رسمية للسلطة المركزية فى دمشق. وقد سبق أن طالبت قيادة قسد أن تندمج قواتها فى الجيش السورى بقيادة وزارة الدفاع السورية، على أن تبقى قوات قسد كما هى فى منطقة شمال شرقى سوريا حيث الطائفة الكردية. وهذه مسألة مهمة سواء على المستوى السورى تحسبا لمطالبة طوائف سورية أخرى بنفس الشىء لميليشياتها عند اندماجها فى الجيش السورى، أو بالنسبة لتركيا التى تريد نزع سلاح قسد لاعتبارات خاصة بالأمن التركى، وفق وجهة نظر تركيا، وارتباط ذلك بوجود القوات التركية فى شمال سوريا. أما بالنسبة لحقول البترول والغاز، فهل سيطالب الأكراد بحصة معينة من عائداتها، وما هو الموقف الأمريكى حيث توجد قوات أمريكية فى منطقة هذه الآبار.

    •   ضمان عودة جميع المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، وتأمين حمايتهم من جانب الدولة السورية.

وأهمية هذا البند فى ضمان إعادة التركيبة السكانية فى البلدات والقرى السورية إلى ما كانت عليه ــ قدر الإمكان ــ قبل اندلاع الأزمة السورية فى عام 2011؛ حيث أن نزوح أعداد كبيرة من السوريين أو هجرتهم أدى إلى تغيرات كبيرة فى التركيبة السكانية فى عدة مناطق وأوجد أوضاعاً تؤدى إلى منازعات ومشاحنات تضر بالأمن والاستقرار.

    •   دعم الدولة السورية فى مكافحتها لفلول الأسد وكل التهديدات التى تهدد أمنها ووحدتها.

وهذا بند مهم للغاية للإدارة السورية الجديدة، لأن انضمام قوات قسد بما لديها من قدرات قتالية عملية وتنظيم وتسليح وتدريب، إلى قوات جيش النظام الجديد يجعلها أكثر قدرة وفاعلية فى مواجهة المتمردين سواء من بقايا جيش النظام السابق أو العناصر المناوئة الأخرى، أو بعض الجماعات الإرهابية، ومهربى الأسلحة والمخدرات وغيرها من المهددات الأمنية.

    •   رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات الفتنة بين كل مكونات المجتمع السورى.

وهذا البند فى غاية الأهمية بالنسبة للأكراد، فهم لا يريدون العودة إلى ما قبل 2011 عندما لم يكن مسموحا لهم استخدام اللغة الكردية فى المدارس والإعلام والكتب، ولا الاحتفال بأعيادهم الخاصة وفقًا لعاداتهم وتقاليدهم الثقافية والشعبية، كما أسقطت الجنسية السورية عن أعداد كبيرة منهم، وتهميشهم فى عمليات التنمية والرعاية الاجتماعية، خاصة بعد أن أنهت الإدارة الذاتية الكردية كل هذه السلبيات، وتتمسك بقوة باستمرار كل الإيجابيات التى حققتها مع العودة لإطار الدولة السورية. والإدارة السورية الجديدة لا تريد حكما أو إدارة ذاتية حتى لا تقسم الدولة السورية بين الطوائف.

    •   تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالى (2025).

وهذا يتطلب أن تنجز اللجان المختصة تنفيذ كل البنود التى تضمنها الاتفاق الإطارى فى فترة زمنية نحو تسعة أشهر، وهو ما يحتاج إلى عمل مكثف يتطلب مناخًا من المرونة وروح التوافق من كلا الطرفين. خاصة بعد أن رفضت جميع الهيئات الكردية الإعلان الدستورى المؤقت الذى تم إصداره ووصفه بأنه يكرس حكما غير ديمقراطى بلون واحد، وطالبوا بضرورة تعديله لضمان حقوقهم وحقوق كل مكونات المجتمع السورى خاصة وأن إعداد الدستور السورى الجديد الدائم سيتطلب خمس سنوات.

وثمة عوامل ودوافع سرعت بتوقيع هذا الاتفاق، بعضها يخص قوات قسد والإدارة الذاتية الكردية، وبعضها الآخر يتصل بالإدارة السورية الجديدة.

• • •

أما بالنسبة لقوات قسد والإدارة الذاتية الكردية، فقد أرادت إظهار استجابة عملية لما طالب به الزعيم الكردى التركى عبدالله أوجلان، المعتقل منذ نحو ربع قرن فى إحدى الجزر التركية، من أن تنزع قوات حزب العمال الكردستانى (التركى) سلاحها وتقبل بالحلول السياسية، وأن هذا قد يسهم إيجابيا فى تسوية الصراع مع الأكراد فى تركيا وسوريا. كما أن إصرار تركيا على محاربة قوات قسد ومعها قوات حماية الشعب الكردية إلى أن تنزع سلاحها أو تقضى عليها، قد اشتد منذ سقوط نظام الأسد وتولى الإدارة السورية الجديدة. كما وجدت قيادة قسد أن الظروف أصبحت أكثر ملاءمة على ضوء ما تواجهه الإدارة السورية الجديدة من تحديات أمنية على عدة جبهات تجعلها أكثر استجابة ومرونة، وتحديات اقتصادية وسياسية كبيرة، تدفعها للتعاون وقبول الحلول الوسط، إلى جانب عدم وضوح مستقبل بقاء القوات الأمريكية الداعمة لقسد فى سوريا فى ظل إدارة الرئيس ترامب.

وبالنسبة للنظام السورى الجديد، فقد تواكب توقيع الاتفاق مع الاشتباكات العنيفة بين أمن السلطة ومسلحين من قوات النظام السابق فى منطقة الساحل السورى حيث الأقلية العلوية وما نتج عنها من خسائر كبيرة بين المدنيين السوريين، وإدراك النظام أنه من الأفضل كسب تعاون قوات قسد الكردية بما لها من تسليح وخبرات قتالية. كما أن الاتفاق يقدم نموذجا للمصالحة مع الطوائف الأخرى، خاصة الدروز الذين تغازلهم إسرائيل بقوة منذ احتلالها الجولان السورى حتى الآن. وأظهر النظام السورى الجديد استجابته للمطالب الإقليمية والدولية بضرورة وأهمية دمج وإشراك جميع مكونات المجتمع السورى حتى لا يكون النظام بلون واحد. والعمل على وقف التدخل العسكرى التركى ضد الأكراد السوريين بدمجهم مع السلطة فى دمشق. يضاف إلى ذلك حاجة الإدارة السورية الجديدة إلى البترول والغاز ومزارع القمح الواقعة تحت سيطرة قوات قسد، للمساعدة فى تعافى الاقتصاد السورى الذى يعانى أزمات حادة على مدى أكثر من عقد من الزمان.

ورحبت تركيا، بوجه عام، بالاتفاق، وأشارت إلى أن تطبيقه الكامل سيخدم الأمن والسلام فى سوريا. وأوضحت أن الاتفاق لم يغير من عزم تركيا على مكافحة الإرهاب، والتمسك بتفكيك ونزع سلاح وحدات حماية الشعب الكردية، واستمرار بقاء القوات التركية فى سوريا.

يعد الاتفاق إطارا جيدا وإيجابيا لبداية مسار المصالحة والاندماج بين الأكراد والسلطة المركزية فى دمشق، ولكن اعتماد الرئيس الشرع الإعلان الدستورى المؤقت والمقرر أن يستمر العمل به خمس سنوات، مباشرة بعد عقد الاتفاق مع قسد، أفسد الاتفاق وجمده إلى أن تتم الاستجابة لمطلب الأكراد بإدخال تعديلات على الإعلان الدستورى المؤقت تضمن لهم حقوقهم وتحقق مطالبهم، وهذا أمر صعب يتطلب جهوداً مخلصة ومكثفة، ومرونة من جانب الإدارة السورية الجديدة لتجاوز هذه الأزمة التى أوقفت إجراءات تنفيذ الاتفاق قبل أن تبدأ، كما أثارت مخاوف ومطالب الطوائف السورية الأخرى.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved