إدارة ترامب انتقلت إلى استراتيجية الردع الهجومى

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الثلاثاء 18 مارس 2025 - 6:35 م بتوقيت القاهرة

 تعهّد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى بداية ولايته عدم خوض حروب جديدة، بل إنهاء الحروب المستعِرّة فى العالم. ومع ذلك، قام مساء ليلة السبت الماضى بشنّ هجمات واسعة على عشرات الأهداف التابعة للحوثيين فى اليمن، ووفقا للتقارير، تشكل هذه الهجمات «نقطة انطلاق» لحملة جديدة ضد هذا التنظيم «الإرهابى» المدعوم من إيران، والذى عاد مؤخرا إلى تهديد إسرائيل والسفن المتجهة إليها عبر البحر الأحمر. فى الواقع، انتقلت إدارة ترامب إلى استراتيجية الردع الهجومى، بدلاً من استراتيجية الاستجابة الدفاعية التى انتهجتها إدارة بايدن، وهو تغيير مشابه لِما طرأ على العقيدة الأمنية للجيش الإسرائيلى فى الحرب الحالية.

صرّح مصدر أمريكى لوكالة الأنباء «رويترز» بأن الهجمات على اليمن ستستمر عدة أيام على الأقل، وربما حتى أسابيع، وفى الوقت نفسه، أفادت قناة «الميادين» بأن السلطات التابعة للحوثيين أعلنت ارتفاع عدد القتلى إلى 13 شخصا جرّاء الضربات على صنعاء، بالإضافة إلى إصابة تسعة آخرين. بعد ذلك بوقت قصير، قبل نصف ساعة من منتصف الليل، وردت تقارير بشأن موجة جديدة من الغارات التى استهدفت محافظة صعدة فى شمال غرب اليمن، وكذلك محافظة ذمار، ووفق ما نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن الضربات لم تقتصر على أهداف عسكرية فحسب، بل استهدفت أيضا منازل قادة الحوثيين فى صنعاء، كذلك، تم قصف منصات إطلاق صواريخ جرى تحريكها فى اتجاه الساحل، استعدادا لهجمات جديدة ضد السفن.

هذا التغيير فى سياسة إدارة ترامب، مقارنةً بما انتهجه الرئيس السابق جو بايدن، يهدف إلى معاقبة الحوثيين على إطلاق الصواريخ مباشرةً فى اتجاه السفن التابعة للأساطيل الغربية فى البحر الأحمر، وكذلك، لممارسة ضغط غير مباشر على طهران بشأن برنامجها النووى، فى ظل رفض الجمهورية الإسلامية، حتى الآن، الدخول فى مفاوضات مع ترامب تحت تهديداته وعقوباته. كما تهدف الضربات إلى دفع الإيرانيين إلى التوقف عن تشغيل وكلائهم فى المنطقة. المبادرة الأمريكية لها أيضا دوافع اقتصادية، إذ تسعى واشنطن لضمان حرية الملاحة لناقلات النفط من الخليج الفارسى إلى أوروبا.

نفّذت إدارة بايدن ضربات ضد الحوثيين، لكنها تجنبت تبنّى سياسة هجومية استباقية ضدهم، خوفا من اندلاع حرب إقليمية. وفى المقابل، فإن إدارة ترامب، وبعد انهيار المحور الإيرانى (مع سحق حزب الله فى لبنان وسقوط نظام الأسد فى سورية)، لا تخشى اندلاع حرب إقليمية. حاليا، وبناءً على نصيحة إسرائيل، تتحرك الإدارة الأمريكية بشكل مباشر واستباقى لتقويض قدرات الحوثيين على تهديد الملاحة وتعطيلها فى مضيق باب المندب والبحر الأحمر. إن التنسيق معنا ضرورى، لأن أى هجوم أمريكى بهذا الحجم، يستهدف عشرات الأهداف العسكرية فى اليمن، قد يدفع الحوثيين إلى الرد بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة مفخخة فى اتجاه إسرائيل، لذا، يجب أن نكون مستعدين، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن مساهمة إسرائيل فى مجال الاستخبارات ضئيلة جدا، إذا وُجدت أصلاً، فنحن لم نقُم بعد ببناء القدرات الاستخباراتية التى قد تساعد القيادة المركزية للجيش الأمريكى (CENTCOM)، والتى تتولى تنفيذ هذه الهجمات.

لكن مساهمتنا تمثلت فى تشجيع إدارة ترامب على تبنّى السياسة الهجومية الجديدة ضد اليمن. لم يكن ذلك فقط بسبب عودة الحوثيين إلى تهديدنا، بل أيضا لمنعهم من تهديد الملاحة فى باب المندب، وإطلاق الصواريخ فى اتجاهنا، وتهديد سفن التحالف الغربى فى البحر الأحمر.

• • •

كما ذُكر، استهدفت الضربات الجوية والبحرية، عشرات المواقع التابعة للحوثيين فى صنعاء وصعدة فى اليمن. فى البداية، أفادت وزارة الصحة اليمنية بأن الضربات فى صنعاء أسفرت عن مقتل ما لا يقلّ عن تسعة أشخاص، ولاحقا، تم إعلان ارتفاع العدد إلى 13 قتيلاً، وفى أعقاب هذه الهجمات، سارع مسئولون حوثيون إلى توجيه تهديدات ضد إسرائيل. فنشر القيادى الحوثى حزام الأسد تغريدة باللغة العبرية فى وسائل التواصل الاجتماعى، قال فيها: «ترامب ونتنياهو يحفران قبورا للصهيونيين، ابدأوا بالخوف على رءوسكم».

• • •

نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسئولَين أمريكيَّين بارزَين قولهما إن هذه الضربات تمثل «نقطة الانطلاق» لهجوم جديد ضد الحوثيين، ومن جانبه، صرّح أحد أعضاء المكتب السياسى للحوثيين مساء السبت الماضى، قائلاً: «سيكون ردّنا على هذه الهجمات ميدانيا. إن استهداف مناطق آهلة بالسكان ومكتظة فى قلب صنعاء هو دليل على الفشل العسكرى للعدو». استهدفت الضربات الأمريكية أنظمة الرادار وأنظمة الدفاع الجوى ومنظومات الصواريخ التابعة للحوثيين، إذ تسعى إدارة ترامب لإعادة فتح ممرات الشحن الدولية فى البحر الأحمر. ووفقا لتقارير محلية، تشارك بريطانيا أيضاً فى هذه الهجمات. صرّح مسئولون أمريكيون بأن هذه العملية العسكرية تُعد الأوسع نطاقا حتى الآن خلال الولاية الثانية والقصيرة لترامب، كما أنها تحمل رسالة تحذير واضحة لإيران.

ووفقا للتقارير فى وسائل الإعلام العربية، استهدفت الضربات فى منطقة صنعاء مطارا ومحطة تلفزيونية ومقرّ قيادة وسيطرة للحوثيين. وركزت القوات الأمريكية على حى الجراف، وقال مصدر من صنعاء إن الحوثيين، فى معظمهم، يتمركزون فى هذا الحى، الذى يشبه منطقة الضاحية الجنوبية فى بيروت، المعقل الرئيسى لحزب الله.

وبحسب التقارير الواردة من الولايات المتحدة، فإن الضربات ــ التى تستهدف الترسانة العسكرية الضخمة للحوثيين، والتى يُخفى جزء منها تحت الأرض ــ قد تستمر عدة أيام على الأقل، وربما أسابيع، ومن المتوقع أن تتصاعد فى حجمها، بناءً على ردة الفعل الحوثية. ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن مجلس الأمن القومى الأمريكى يضم مستشارين يدفعون نحو شنّ ضربات أكثر عدوانيةً ضد الحوثيين، بهدف إجبارهم على خسارة أجزاء كبيرة من الأراضى التى سيطروا عليها فى شمال اليمن. القيادى الحوثى نصر الدين عامر علّق على العملية الأمريكية، عبر منصة X، وكتب: «ستظل صنعاء درعًا وسندًا لغزة، ولن تتخلى عنها مهما كانت التحديات».

• • •

أعلن الرئيس دونالد ترامب مساء السبت الماضى: «اليوم، أصدرتُ أوامرى للجيش الأمريكى ببدء عملية عسكرية حاسمة وقوية ضد «الإرهابيين» الحوثيين فى اليمن. لقد شنّوا حملة مستمرة من «القرصنة والعنف والإرهاب» ضد السفن، والطائرات والطائرات المسيّرة الأمريكية وغيرها. كان ردّ جو بايدن ضعيفا بشكل مثير للشفقة، لذلك، استمرّ الحوثيون المنفلتون ببساطة». وبحسب ترامب: «مرّ أكثر من سنة منذ أن تمكنت سفينة تجارية من الإبحار بأمان تحت العلم الأمريكى، عبر قناة السويس، أو البحر الأحمر، أو خليج عدن. آخر سفينة حربية أمريكية عبرت البحر الأحمر، قبل أربعة أشهر، تعرضت لأكثر من 12 هجوما من الحوثيين؛ وبتمويل من إيران، أطلق هؤلاء «البلطجية» صواريخ على الطائرات الأمريكية، وهاجموا جنودنا وحلفاءنا. هذه الهجمات المستمرة كلّفت الولايات المتحدة والاقتصاد العالمى مليارات الدولارات، وعرّضت الأبرياء للخطر». وأضاف ترامب: «فى هذه اللحظات، ينفّذ مقاتلونا الشجعان ضربات جوية تستهدف قواعد «الإرهابيين»، وقادتهم، ومنظومات دفاعهم الصاروخية، لحماية الأصول الأمريكية فى البحر والجو، واستعادة حرية الملاحة. لن يتمكن أى تنظيم «إرهابى» من منع السفن التجارية والعسكرية الأمريكية من الإبحار بحُرية فى الممرات المائية العالمية». وأكد ترامب، محذرا: «إلى جميع «الإرهابيين» الحوثيين، وقتكم انتهى، ويجب أن تتوقف هجماتكم اعتبارا من اليوم. إذا لم تفعلوا ذلك، فستُفتح عليكم أبواب الجحيم بطريقة لم يسبق لكم أن رأيتموها من ذى قبل».

توجّه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أيضا إلى إيران برسالة مباشرة، قائلاً: «يجب أن تتوقفوا فورا عن دعمكم «للإرهابيين» الحوثيين. لا تهددوا الشعب الأمريكى، ولا رئيسه الذى حصل على أحد أكبر التفويضات فى تاريخ الرئاسة. لا تهددوا ممرات الشحن فى جميع أنحاء العالم، وإذا فعلتم ذلك ــ فاحذروا ــ لأن أمريكا ستحاسبكم. ولن نكون لطفاء».

رون بن يشاى

يديعوت أحرونوت

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved