إعادة «گل فلسطين» إلى المفاوضات
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 18 أبريل 2014 - 7:55 ص
بتوقيت القاهرة
كان مطلوبا منى قبل أيام، الحديث فى مؤتمر مركز «مسارات»، فى البيرة بفلسطين، تحت عنوان المفاوضات ومستقبلها، وبحيث يتحدث فى الموضوع نفسه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذى يمثل الفلسطينيين تفاوضيّا مع الإسرائيليين، صائب عريقات. وكذلك تحدّث فى الشأن ذاته أمين عام حزب الشعب الفلسطينى، بسّام الصالحى.
الورقة التى كنت سأقدّمها هى نتاج عمل سابق، أعددتها كمسودة أساسية لصالح مجموعة التفكير الاستراتيجى الفلسطينى، وخضعت لنقاشات شارك فيها خبراء وسياسيون، ما يجعل الوثيقة (الورقة) أقرب لنتاج عمل جماعى. لكن بسبب مرور أشهر على تلك النقاشات، وجدت أنّه لا بد من «التحديث» للورقة. وللوهلة الأولى، فإنّ المأزق الحالى للمفاوضات وتعثرها الراهن، يبدو هو العامل الأساسى الذى يفرض التحديث. على أنّ المأزق الراهن لا يغير فى الواقع كثيرا من خريطة التفكير فى العملية التفاوضية؛ فما حدث ليس مفاجئا ولا جديدا. وواقع الأمر أن أى تناول علمى أو فكرى للعملية التفاوضية لا يتطلب متابعة كبيرة للتفاصيل، فهى متكررة، تنبع من قواعد وسمات تحكم العملية التفاوضية بشكل مملّ وروتينى.
إذا كان الجديد فى المفاوضات فى العامين الماضيين هو توجه الفلسطينيين إلى المنظمات الدولية والتدويل، فالحقيقة أنّ هذا التوجّه تتضاءل أهميته بتحوّله إلى مجرد تكتيك تفاوضى، وليس إلى استراتيجية قيادة صراع بديلة. فالمؤشرات أنّ الاستراتيجية الفلسطينية هى الاستعداد الدائم للتراجع عن هذا المطلب، أو تجميده، مقابل ثمن سياسى فى إطار المفاوضات، والعودة له غضبا من تعثّر تفاوضى ما. ولا يزال الخيار الفلسطينى هو العملية القديمة (عملية أوسلو)، واستمرار محاولة مقاربتها بطرق مختلفة. ولا يوجد حسم استراتيجى بشأن نهج أو أدوات وأطر تفاوضية أو غير تفاوضية بديلة، بل يمكن تجميد الذهاب للأمم المتحدة لأجل قضايا معينة، مثل الأسرى.
الجديد الحقيقى الذى أجد أنّه يستحق الانتباه أثناء النظرة إلى المفاوضات، هو الدعوات المتزايدة من الفئات الفلسطينية المختلفة إلى إعادة تعريف القضية الفلسطينية، ومراجعة أهداف التفاوض. ففى ظل عدم تجديد شرعية وعضويّة المجلس الوطنى الفلسطينى لأكثر من ربع قرن الآن (منذ العام 1988)، وبالتالى شرعيّات الهيئات التنفيذية الأعلى فى المنظمة، وانتهاء الولايات الانتخابية للرئيس الفلسطينى، وللمجلس التشريعى، والحكومات الفلسطينية، بات لا بد من تلمس الموقف الفلسطينى فى سياقات أخرى؛ منها الحركات الشعبية ومنابر مثل المؤتمرات والندوات.
فى أكثر من مناسبة، كانت هناك دعوة إلى «إعادة تعريف المشروع الوطنى الفلسطينى»، وتحديدا مراجعة كل فكرة الدولة الفلسطينية. هذا ما أزعم أنّه كان واضحا فى مؤتمر المركز العربى للأبحاث ودراسات السياسات، نهاية العام الماضى، فى الدوحة، حيث اجتمع مئات الكتاب والباحثين والسياسيين الفلسطينيين، وكان واضحا الدعوة إلى إعادة الاعتبار لمجموع الشعب الفلسطينى، بما فى ذلك المناطق المحتلة العام 1948، والشتات؛ والدعوة إلى إعطاء إشراك قطاعات الشعب الفلسطينى أولوية قصوى قبل استئناف التفاوض، أو أى تصور سياسى لمستقبل الشعب الفلسطينى. وأزعم أنّ هناك المزيد من الدعوات فى الطريق ذاتها. فقبل مؤتمر «مسارات»، كنتُ فى مؤتمر أسبوع الأبارتهايد الإسرائيلى، فى عكّا، بتنظيم مجموعة «فلسطينيات» التى باتت ذات حضور متزايد فى الشارع الفلسطينى، ومبدأ عملها الأول حركة وطنية موحدة فى كل فلسطين ولكل الفلسطينيين. ثم مؤتمر «مسارات» الذى كان من الأوراق المقدّمة فيه بحث نديم روحانا، الذى نشرَته مؤخّرا مجلة الدراسات الفلسطينية، الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وفيه يؤكد روحانا أهمية التراجع عن التعريف القومى (المرتبط بفكرة الدولة) إلى مسألة التحرر من الاستعمار.
التغيير الأهم فى بيئة المفاوضات فى اعتقادى، هو التشكيك الشعبى الفلسطينى المتزايد بكل فكرة التركيز على تحقيق الدولة الفلسطينية على جزء من فلسطين، بصفتها محور العملية السياسية، إلى المطالبة أولا بتجديد منظمة التحرير الفلسطينية وكل الحركة الوطنية الفلسطينية، كأولوية أولى فى هذا الوقت، وبحيث تعبر الحركة الوطنية عن كل الفلسطينيين، بدءا من أراضى الاحتلال الأول العام 1948، والاحتلال الثانى 1967، والشتات، وبحيث تكون الأطر والقيادات التى تنتجها هذه الحركة هى التى تحدد الخيارات التفاوضية وتعبر عن مصالح كل الفلسطينيين وكل فلسطين، داخل هذه المفاوضات.
أحمد جميل عزم