الاستفتاء هو الحل
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 18 أبريل 2016 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
الاستفتاء وحده هو الذى يمكنه أن يعالج كل الأخطاء الإجرائية والسياسية والاستراتيجية الجسيمة التى وقع فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى وحكومته، فى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتى أفضت إلى التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للسعودية بشكل مفاجئ، أثار غضب الغالبية العظمى من المصريين، ودفع بعضهم للهتاف بسقوطه فى المظاهرات التى شهدتها القاهرة، يوم الجمعة الماضى، لأول مرة منذ انتخاب السيسى!
لم تقتصر الأخطاء المصرية على الإخراج السيئ للاتفاقية، ولا على سوء عرضها لوجهة نظرها بسعودية الجزيرتين، ولا على تكتمها ــ حتى الآن ــ على ما جرى فى المباحثات السرية مع الجانب السعودى، فالخطأ الأكبر هو الإصرار على استبعاد المصريين ــ أصحاب الأرض الحقيقيين ــ من المشهد برمته، فى انتهاك صارخ لأبسط حقوقهم الديمقراطية، رغم ارتباط هذه الاتفاقية بترتيبات سياسية واستراتيجية، تستهدف إجراء تغييرات هيكلية على المنطقة برمتها، تعيد ترتيب أوراقها، وطبيعة الصراعات الكبرى فيها لصالح إسرائيل، وهو ما يثير تساؤلات مهمة أمام النظام فى مصر، ومدى اشتراكه فى هذه الترتيبات، التى قد تمليها عليه تحالفه ــ الذى يحلو للبعض بتسميته بالاستراتيجى ــ مع المملكة السعودية!
بالمنظور السعودى، أصبحت إيران ــ وليست إسرائيل ــ هى العدو الأول والأخطر للعالم العربى، كما أصبح الخطر الشيعى لا الصهيونى الأولى بالمواجهة، وهو ما يمثل انقلابا تاما على كل الحسابات التاريخية العربية، وعلى أولويات العقل السياسى العربى، ربما يجعل من إسرائيل ــ عدونا القديم حليفا محتملا، بل ضروريا لمواجهة هذه الأخطار الشيعية المزعومة!
ورغم ذلك، فلم نسمع من مؤسسة الرئاسة المصرية، ما يكشف عن توجهاتها المستقبلية، ولا حقيقة اتفاقها أو اختلافها مع هذه السياسات السعودية، والتى قد تفرض على مصر القيام بتغييرات خطيرة، ربما يكون على رأسها الدخول فى صراعات قد تصل إلى حد المساهمة فى ضرب إسرائيل لإيران، أو على الأقل المساعدة فيها بشكل أو بآخر، أو حتى السكوت عنها وعدم إدانتها، وقد تفرض علينا هذه الترتيبات الجديدة لأوضاع المنطقة، تقليم أظافر المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل، والضغط عليها للقبول بأية تسوية، وقبل ذلك تغيير العقيدة القتالية لقواتنا المسلحة من التصدى للمطامع العدوانية الإسرائيلية، إلى الاشتراك فى الحرب العالمية المزمع شنها على الإرهاب، والدول التى تؤيده أو التى تستضيفه على أراضيها!
وبالإضافة إلى ذلك، قد تفرض علينا هذه الترتيبات المصالحة مع تركيا، فى إطار السعى السعودى لبناء حلف سنى ضد إيران؟ وهو ما يعنى فى التحليل الأخير، البحث عن طريق يؤدى لفتح باب المصالحة أو حتى المهادنة مع الإخوان، بما يعنيه ذلك من سحب البساط من تحت أقدام ثورة يونيو، وفتح المجال – نظريا على الأقل – لإعادة توصيف ما جرى فى هذه الثورة، وطبيعة السلطة التى جاءت بها، بل وشرعية وجودها نفسها!
كل هذه القضايا الخطيرة والتساؤلات المهمة، نحتتها القيادة المصرية جانبا بدون أسباب واضحة، بل إن الرئيس السيسى نفسه طالبنا خلال لقائه مع ممثلى فئات المجتمع المصرى، الأسبوع الماضى، بمنتهى الحسم، بألا نتكلم فى موضوع الجزيرتين، وما ورائهما بالطبع، وان نترك الأمر برمته للبرلمان، وهو ما لا يمكن فهمه ولا قبوله طبعا!
الاستفتاء على اتفاقية الحدود البحرية مع السعودية هو الحل الوحيد أمام القيادة المصرية لتصحيح كل الأخطاء التى تم ارتكابها، ولمواجهة كل الأخطار التى تواجهنا، وهو قبل ذلك حق ديمقراطى أصيل للشعب المصرى، لا يمكن لأحد أيا كان أن يسلبه منه أو حتى ينازعه فيه.