صلاح دياب.. سر المغامرة
ناجح إبراهيم
آخر تحديث:
الجمعة 18 أبريل 2025 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
• من المعلوم من الحياة بالضرورة أن رجل الأعمال يخسر الكثير إذا دخل فى السياسة، ويخسر أكثر إذا أنشأ صحيفة، وخاصة فى بلاد الشرق الأوسط فكلما دخلت الصحيفة فى معركة صحفية أدخل فيها قسرا وأقحم فيها رغم أنفه، ولاقى من المتاعب الكثير وقد يتعرض للمحنة تلو الأخرى وخاصة إذا كانت الصحيفة رصينة لا تجامل ولا تداهن.
• وقد عجبت أن رجل الأعمال أ/ صلاح دياب الذى خبر الحياة وعركها وعركته ويعلم كل هذه القواعد وغيرها يؤسس صحيفة «المصرى اليوم» حتى أدركت سر هذه المغامرة حينما قرأت مذكراته الرصينة وعرفت منها أنه يسير على خطوات جده الأديب والمفكر المرموق «توفيق بك دياب» الذى كان يصدع بما يراه من صواب دون أن يخشى بأس أحد وهو مؤسس «جريدة الجهاد» ووهبها عمره وخلاصة روحه وقد سماها باسم «الجهاد» الذى أطلقته ثورة ١٩١٩ وظل احتفال حزب الوفد بهذا العيد متألقا فترة من الزمان.
• وقد أصدر صلاح دياب جريدة «المصرى اليوم» برعاية خاله «كامل دياب» ابن صاحب جريدة الجهاد.
• يعد «توفيق دياب» الكاتب والصحفى والمفكر المرموق، عميد أسرة آل دياب والمثل الأعلى لهم، وقد حفظ القرآن فى كتاب القرية ثم التحق بالمدرسة الابتدائية ثم أكمل دراسته فى القاهرة ثم الإسكندرية ثم سافر للندن لدراسة الأدب والخطابة على نفقته الخاصة وحصل على شهادة متخصصة من جامعة لندن فى الإلقاء والخطابة من أكاديمية هازلك، وكان يكتب فى صحيفة «الجريدة» التى أسسها أحمد لطفى السيد على مدار ٣ سنوات وهو طالب، وكانت توقع باسمه ثم عين مدرسا للخطابة فى الجامعة بعد أن اكتشف عبدالخالق ثروت نبوغه وتفرده.
• وفى عام ١٩٢٢ اختارته جريدة «السياسة» ليكون المندوب البرلمانى لجريدة السياسة لسان حزب الأحرار الدستوريين، وفى أول تحليل له لأول جلسة للبرلمان مع زميله محمود عزمى لم يعجب التحليل أصحاب السلطة فأخرجوهما من شرفة الصحفيين فلما عاد إلى الجريدة كتب مقالا ناريا بعنوان «شخصى الضعيف وكحيل العين»، ويقصد بكحيل العين محمد محمود باشا، فحقق شهرة واسعة وفى مسيرة الجد توفيق دياب أصدر عدة صحف أهمها «الجهاد» التى صدرت عام ١٩٣١ وعبرت عن سياسة حزب الوفد، وهى أول جريدة مصرية استحدثت كتابة المانشيت بالألوان، بعدها انتخب عضوا بمجلس النواب عن منيا القمح وعرضت عليه الباشوية إذا قبل الانتقال إلى مجلس الشيوخ ولكنه رفض الباشوية والعرض كله.
• بعدها انتقل لمعارضة مكرم عبيد والوفد عبر صحيفته فى مقال مشهور «آن للشرف الرفيع أن يصان» اعتراضا على قبول مصطفى النحاس نظارة وقف بمقابل مادى، مما دفع الوفد لإصدار تعليماته للجانه بالمحافظات بعدم شراء جريدة «الجهاد» فهبط توزيعها وتراكمت عليها الديون فأغلقها وهو فى غاية الألم قائلا «وأدت جريدتى بيدى» كمن يدفن ابنته الغالية بنفسه.
• ومن المعروف أن توفيق دياب أول صحفى يبتكر «العمود الصحفى» فى الصحافة المصرية وكان يكتب عموده «لمحات» فى الأهرام وقد اختير عضوا بمجمع اللغة العربية، وكان معارضا شرسا وقد تعرض للسجن مرات من أجل معاركه الصحفية وكان من أبرز معارضى إسماعيل صدقى وقد كشف دياب فضيحة له حينما صور خطابات له يأمر مأمورى الأقسام بتزوير الانتخابات لصالح حزبه، وقد صدر حكم بحبس دياب تسعة أشهر.
• وقد وقف إلى جواره فى محنته كل الكتاب الكبار وقال عنه العقاد وقتها «ذاق أكثر مما عانى أصحاب الرأى فى عالم السدود والقيود» وأنصفه مكرم عبيد بقوله «لا يكتب إلا ما يمليه عليه ضميره».
• كان توفيق دياب جد صلاح دياب هو المدرسة الأولى التى تربى فيها وتعلم الكثير فى مدرسته منها أن عليه أن يحارب لاسترداد حقه، وكان يقابل مع جده كل أساطين الفكر فى مصر مثل العقاد، فريد أبو حديد، توفيق الحكيم، صادق جوهر.. وغيرهم.
• تعود أصول آل دياب لعائلة قادمة من الحجاز استقرت فى محافظتى الشرقية والغربية، وكان جده لأبيه عميدا لعمد الشرفية وكان معروفا بالشهامة والنجدة، وجده الأكبر موسى دياب كان أميرالاى «عميد» بالجيش المصرى ورافق الخديو توفيق فى أسفاره لتركيا، وكان صوته جميلا وهو يصدح بالقرآن، فكان يقرأ فى المساجد التركية فأعجبت به أسرة تركية وزوجته ابنتهم.
• وقد ساند عرابى فى ثورته، وحكم عليه بالإعدام باعتباره عسكريا متمردا ثم عفا عنهم الخديو بشرط أن يلزموا منازلهم حتى الموت.
• وصدق صلاح الدين دياب حينما قال «ما يدخل فى تكوين الصلب يتشابه مع ما يدخل فى تكوين الإنسان»، ويقصد الجينات فهو نسخة مكررة من جده توفيق دياب من جهة وجده الضابط موسى دياب، وكلهم يحمل من صفات القوة فى الفكر والحياة، والمغامرة الفكرية والصحفية الكثير، مهما كانت الصعوبات والمشاق، وكما قال عن جده توفيق دياب: «تعلمت منك وعنك معنى أن يكون للإنسان رسالة على الأرض».