أموال بعيدة المنال

بول كروجمان
بول كروجمان

آخر تحديث: الثلاثاء 18 مايو 2010 - 10:15 ص بتوقيت القاهرة

 هل ستكون اليونان ليمان التالى؟ كلا. فهى ليست كبيرة ولا تتصف بالتشابكات بما يكفى لأن تتسبب فى تجميد الأسواق المالية العالمية على النحو الذى تم عام 2008. وأيا ما كان المتسبب فى ذلك الانخفاض الطفيف القصير بمقدار 1000 نقطة فى مؤشر داو جونز، فلم يكن له ما يبرره من أحداث فعلية فى أوروبا.

لا ينبغى أن نأخذ بجدية زعم المحللين أننا نشهد بداية تهافت على السحب بالنسبة لكل الديون الحكومية. إذ انخفضت بالفعل تكاليف الاقتراض فى الولايات المتحدة يوم الخميس إلى أقل مستوى لها منذ شهور. وبينما حذر القلقون من أن بريطانيا ربما تكون اليونان التالية، هبطت أسعار الفائدة البريطانية أيضا بدرجة طفيفة.

ويمثل ذلك أخبارا طيبة. أما الأخبار السيئة فهى عمق مشاكل اليونان أكثر مما يرغب قادة أوروبا فى الاعتراف به، حتى الآن- وأنها مشتركة، بدرجة أقل، مع البلدان الأوروبية الأخرى. ويتوقع مراقبون كثيرون انتهاء المأساة اليونانية بالعجز عن السداد؛ وأنا واثق بصورة متزايدة من أنهم متفائلون أكثر مما ينبغى، حيث سيكون العجز عن السداد مصحوبا أو مشفوعا بخروج من منطقة اليورو.

وفى بعض النواحى، يمثل هذا وقائع أزمة تم التنبأ بها. وأذكر على سبيل الدعابة أننا إذا رجعنا إلى الوقت الذى وضعت فيه معاهدة ماستريخت أوروبا على الطريق إلى اليورو، نجدهم أخطأوا فى اختيار المدينة الألمانية التى يقام بها الاحتفال. إذ كان ينبغى أن يحدث ذلك فى ارنهايم، موقع «الجسر صعب المنال» الشهير فى الحرب العالمية الثانية، حيث انتهت خطة معركة الحلفاء الطموحة للغاية بكارثة.

المشكلة، كما تتضح فى الأفق كما هى الآن، أن أوروبا تفتقد بعض المميزات الأساسية لتكون منطقة عملة ناجحة. وقبل كل شىء، تفتقر إلى حكومة مركزية.

دعونا ننظر إلى المقارنة التى كثيرا ما تعقد ما بين اليونان وولاية كاليفورنيا. إذ تمر كلاهما بتعثر مالى، وكلاهما لها تاريخ من اللا مسئولية المالية. ويعتبر المأزق السياسى فى كاليفورنيا قبل أى شىء آخر أشد سوءا، بأى درجة. فبصرف النظر عن المظاهرات، فقد صدق البرلمان اليونانى بالفعل على إجراءات تقشف قاسية.

ولكن محنة كاليفورنيا المالية ببساطة ليست شديدة الأهمية بقدر مثيلتها فى اليونان، حتى بالنسبة إلى المقيمين فيها. لماذا؟ لأن معظم الأموال التى تنفق فى كاليفورنيا تأتى من واشنطن، وليس ساكرامنتو. ربما يكون تمويل الولاية قد تم تخفيضه، ولكن تعويضات الرعاية الصحية، وشيكات الضمان الاجتماعى، وأجور عملاء الدفاع، سوف يحافظ على استمرارها.
ما يعنيه هذا، من بين أشياء أخرى، أن محنة ميزانية كاليفورنيا لن تعوق الولاية عن المشاركة فى انتعاش اقتصادى أكثر اتساعا فى الولايات المتحدة. ومن الناحية الأخرى، سوف يكون لتخفيضات ميزانية اليونان آثارا محبطة قوية على اقتصاد يعانى الكساد بالفعل.

هل تتمثل الإجابة فى إعادة هيكلة الديون ــ أو التعبير المهذب للعجز الجزئى عن السداد؟ لن يكون ذلك مجديا تقريبا كما يتخيل كثير من الناس، لأن مدفوعات الفائدة تمثل جزءا من العجز فى ميزانية اليونان فقط. وحتى لو توقفت حكومة اليونان تماما عن خدمة ديونها، فهى لن تتمكن من تحرير أموال كافية لتجنب تخفيضات قاسية للميزانية.

يعتبر الانتعاش الاقتصادى الأمر الوحيد الذى بإمكانه تقليل معاناة اليونان بشكل حاسم، فمن شأنه توليد عائدات أعلى وتقليل الحاجة إلى خفض الإنفاق، وخلق الوظائف على السواء. فإذا كان لليونان عملتها الخاصة، فباستطاعتها محاولة تصميم مثل هذا الانتعاش من خلال تخفيض قيمة تلك العملة، وزيادة قدرة صادراتها على المنافسة. ولكن اليونان مرتبطة باليورو.

فكيف إذن سينتهى الأمر؟ من الناحية المنطقية، أرى ثلاثة أساليب يمكن لليونان من خلالها أن تبقى مرتبطة باليورو.

الأول: يمكن لعمال اليونان أن يفتدوا أنفسهم عبر المعاناة، بقبول تخفيضات كبيرة فى الأجور، يمكنها أن تجعل اليونان ذات قدرة تنافسية كافية لزيادة الوظائف مرة أخرى.

ثانيا: يمكن للبنك المركزى الأوروبى أن يشارك فى سياسة أكثر توسعية بكثير. فبالإضافة إلى أمور أخرى، من خلال شراء حصص من الدين الحكومى، وقبول التضخم الناجم عن ذلك ــ بترحاب حقيقى ــ سوف يؤدى ذلك بسهولة أكثر إلى تنظيم اليونان والدول المتعثرة الأخرى فى منطقة اليورو. ثالثا: يمكن لبرلين أن تكون بالنسبة لأثينا ما تمثله واشنطن بالنسبة إلى ساكرامنتو ــ حيث يمكن لأقوى الحكومات الأوروبية ماليا توفير الدعم الكافى لجيرانها الضعفاء كى تجعل الأزمة محتملة.

والمشكلة بالطبع، أنه لا يبدو أن أيا من هذه البدائل معقول من الناحية السياسية.
والأمر الذى مازال يبدو غير قابل للتفكير فيه هو أن تتخلى اليونان عن اليورو. ولكن عندما نستبعد الأشياء الأخرى جميعها، لن يبقى سوى هذا الخيار.

وإذا حدث ذلك، فسوف تقوم بشىء يشبه ما قامت به الأرجنتين عام 2001، التى كانت مرتبطة بالدولار على نحو يفترض أنه ثابت وغير قابل للانفصام. وكان إنهاء هذا الارتباط يعد أمرا غير معقول للأسباب نفسها التى تجعل إنهاء الارتباط باليورو يبدو مستحيلا. إلى حد القول بأن احتمال ذلك سوف يتسبب فى مخاطر التهافت على سحب الودائع من البنوك التى تؤدى إلى الشلل. ولكن التهافت على سحب الودائع من البنوك حدث فى كل الأحوال، وفرضت حكومة الأرجنتين قيودا للطوارئ على عمليات السحب. وترك هذا الباب مفتوحا أمام تخفيض قيمة العملة، وعبرت الأرجنتين على الفور عبر هذا الباب.

إذا حدث شىء كهذا فى اليونان، فسوف يبعث بموجات الصدمة عبر أوروبا، الأمر الذى يحتمل أن يثير الأزمات فى البلدان الأخرى. ولكن إذا لم يكن قادة أوروبا قادرين وراغبين فى فعل ماهو أكثر جرأة من أى شىء نراه صعب المنال، فسيكون الأمر مثلما يدل عليه عنوان هذا المقال.
نيويورك تايمز


هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved