لهذا تأزم لبنان وانزلق إلى فوضى اقتصادية
مواقع عالمية
آخر تحديث:
الإثنين 18 مايو 2020 - 9:10 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع قنطرة عرضا للكاتبة يوليا نويمان، تناولت فيه تدهور الأوضاع الاقتصادية وسبب ذلك، وموقف الحكومة لإنعاش الاقتصاد، وهل من عوائق أمام رئيس الوزراء دياب.. نعرض منه ما يلى.
لم تكن هذه مشكلة طيلة أعوام لأنَّ العملة المحلية تم ربطها بالدولار الأمريكى بسعر صرف ثابت منذ عام 1997. ولكن بسبب ركود الاقتصاد وعدم وجود عملات صعبة من الخارج وتضاؤل احتياطيات الدولار فى البلاد، تفقد العملة المحلية قيمتها بسرعة. كذلك لم يتمكن تحديد السحب بالدولار المفروض من قبل البنوك فى شهر سبتمبر 2019 من تغيير أى شىء فى الوضع ــ بل أدى إلى تدافع الناس إلى البنوك ومكاتب الصرافة. وفى شهر إبريل 2020، تم وقف تسليم الدولار بالكامل.
خسارة العملة بنسبة 60 فى المائة
يفترض أنَّ الدولار الواحد يساوى 1500 ليرة لبنانية. ولكن من يصرف الدولار الأمريكى فى مكتب صرافة يحصل حاليًا على أكثر من ضعف المبلغ الذى يحصل عليه فى البنك. نتيجة لخفض قيمة الليرة فى السوق السوداء فقد أصبح البلد كله متعطشًا للدولار. ومما يزيد الوضع صعوبة إغلاق مطار بيروت المرتبط بكورونا ــ إذ إنَّ المغتربين اللبنانيين لا يضمنون فقط أثناء زياراتهم لبنان دخول العملة الأجنبية، بل إنَّ رجال الأعمال يستوردون أيضًا الدولار لدفع ثمن المستوردات. وبما أنَّ إمكانية إدخال العملات الأجنبية إلى البلاد لم تعد متاحة، تراجعت قيمة الليرة اللبنانية فى السوق السوداء بشكل أسرع.
أصبح الوضع مأساويًا لدرجة أنَّ العديد من اللبنانيين لم يعد بإمكانهم شراء الكثير من المواد الغذائية الأساسية. وبحسب بيانات مؤسسة البحوث والاستشارات CRI، التى نشرت مؤشر أسعار المستهلكين فى بيروت فى شهر مارس 2020، فقد ارتفع سعر الزبدة والدقيق بنسبة 45 بالمائة تقريبًا خلال عام، بينما ارتفع سعر السكر بنسبة 65 بالمائة أكثر مما كان عليه فى شهر مارس 2019.
الوضع الاقتصادى الكارثى فى لبنان هو نتيجة سنوات من الفساد وسوء إدارة الاقتصاد والسياسة الموجهة لصالح البنوك. كما ارتبط الحكام السياسيون ارتباطًا وثيقًا بنخبة رجال الأعمال منذ نهاية الحرب الأهلية فى عام 1990.
اتَّبعت السياسة طيلة سنوات مسارًا نيوليبراليًا من دون إنشاء شبكة رعاية اجتماعية. مَنْ يملك أموالًا فى لبنان كان يفضِّل وضعها فى حساب مصرفى من أجل الحصول على فائدة من رقمين بدلًا من استثمارها فى قطاع الإنتاج. وها هى قد ظهرت النتيجة: الفوائد المرتفعة التى تم دفعها لسنوات لمقرضين أقوياء ماليًا باتت تكسر الآن رقبة النظام المالى. وها هو دَيْن الدولة قد بلغ أكثر من 170 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى.
تأخر الإصلاحات أعوامًا كثيرة
فى شهر مارس 2020، لم يكن هذا البلد قادرًا على سداد 1.2 مليار دولار من سندات اليورو المستحقة. ولتحقيق استقرار فى العملة، تعتمد الدولة اللبنانية على الدولار الأمريكى المطبوع حديثًا. لقد تعهَّد المانحون الدوليون مثل المملكة العربية السعودية والاتِّحاد الأوروبى بتقديم 11 مليار دولار على شكل حقن نقدية فى مؤتمر الأرز فى عام 2018. ولكن كشرط مسبق لمنح الأموال، فقد طالبوا بإصلاحات اقتصادية وإجراءات لمكافحة الفساد. ولكن الإصلاحات الضرورية تأخرت.
فى الأسبوع الماضى، قدَّمت الحكومة اللبنانية خطة إنقاذ مدتها خمسة أعوام، وتقدَّمت بناء على أساسها بطلب للحصول على تمويل من صندوق النقد الدولى (IMF). من المخطط له خسائر بالمليارات للقطاع المالى وإصلاحات لإعادة هيكلة الاقتصاد. ومع ذلك فإنَّ الابتكارات المقترحة فى النظام المصرفى قوبلت باستياء لدى المؤسسات الائتمانية، التى انتقدت أنَّ من شأن مثل هذه الإجراءات أن تُمزِّق البلاد. وتعتبر البنوك من أكبر الدائنين للدولة.
من جانب آخر اتهم رئيس الوزراء حسن دياب رئيس البنك الوطنى اللبنانى رياض سلامة بالمسئولية عن حالة البؤس والتضخم المالى، حيث قال إنَّ هناك معلومات تفيد بسحب أقل من ستة مليارات دولار من قِبَل أصحاب الحسابات فى الفترة بين يناير وفبراير 2020. وفى خطاب تلفزيونى استغرق ساعة، رد رياض سلامة، الذى يعمل رئيسًا للبنك المركزى منذ نحو 30 عامًا، بقوله إنَّ الساسة نسبوا إليه وبشكل خاطئ المسئولية عن قرارات مالية متحدثًا عن وجود «حملة» ضده. وأضاف: من أجل تخفيف الوضع فقد تم «ضخ» ليرات مطبوعة حديثًا فى السوق بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
فى نهاية شهر إبريل 2020، سد المتظاهرون شريان المرور الرئيسى للبلاد بإطارات مشتعلة. ألقى المتظاهر قنابل المولوتوف فى فروع البنوك فى العاصمة بيروت وفى صيدا الواقعة فى الجنوب، وكذلك فى طرابلس فى شمال البلاد، مما أسفر عن أضرار فى العديد من مبانى البنوك.
يمكن اعتبار هذه الاحتجاجات استمرارًا للاحتجاجات الجماهيرية التى بدأت فى لبنان فى شهر أكتوبر 2019. فى تلك الفترة، احتج الآلاف على فساد السياسيين وسوء إدارتهم للاقتصاد، الذى قاد البلاد إلى إفلاس الدولة. وطالبوا بـ «إسقاط النظام»، واستقال على إثر ذلك رئيس الوزراء سعد الحريرى. وفى بداية عام 2020 تولى حسن دياب مهامه الرسمية.
فى الواقع، لا يستطيع حسن دياب وحكومته إخراج البلاد من حالة البؤس الاقتصادى. ومما يزيد الأمر صعوبةً أنَّ دياب مقرَّب من حزب الله اللبنانى الذى صنَّفته ألمانيا كتنظيم إرهابى. هذا القرار الألمانى قد يزيد من صعوبة المفاوضات على المنح، لأنَّ حكومة دياب مقرَّبة من حزب الله. وألمانيا تجلس مع فرنسا واليابان فى فريق عمل صندوق النقد الدولى، الذى يقرِّر منح الأموال التى يعتبر لبنان فى أمسّ الحاجة إليها.
النص الأصلى:
https://bit.ly/2TdbQJA