«شوار بلدنا» وكوبرى العمرانية
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 18 مايو 2020 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
فى مثل هذه الأيام من شهر رمضان قبل ثلاث سنوات، حضرت وعدد من الزملاء الصحفيين والإعلاميين، إفطارا جماعيا بنادى المهندسين بمدينة 6 أكتوبر، بدعوة كريمة من المهندس طارق النبراوى، نقيب المهندسين وقتها.
على موائد الطعام وقبل الإفطار بدقائق، وكما هى العادة فى مثل هذه المناسبات دارت الأحاديث الجانبية، بعضها للتعارف، وجزء لا يستهان به حول قضايا عامة تشغل الإعلاميين والمهندسين على السواء باعتبار الشأن العام قضية كل المصريين.
عقب الإفطار انتقل جل الحضور إلى قاعة فسيحة معدة للقاءات وعقد المؤتمرات فى النادى الفخيم، حيث تحدث عدد من أعضاء مجلس النقابة، ولفيف من المهندسين الذين يمثل بعضهم النقابات الفرعية، عن قضايا تخص العمل النقابى، وأخرى تشغل الرأى العام وعلى علاقة بعمل المهندسين، وفى هذا الشق أتذكر أننى وعدد من الزملاء الصحفيين كانت لنا مداخلات تعليقا على النقاش الدائر وسط نخبة من أبرز مهندسى مصر، القائمين على عدد من مشروعات البناء والتعمير.
بابتسامته الوقورة، استقبل المهندس طارق النبراوى، كلماتى التى كانت كسيل منهمر، وحملت فيها كل مشاكل مصر على كاهل السادة المهندسين، فقد كانت عمارة «برج الإسكندرية المائل»، التى بنيت من دون اتباع المواصفات الهندسية، واحدة من القضايا التى تشغل الرأى العام، وتعرى فى الوقت ذاته فساد المحليات.
يومها قلت إن مفاصل الدولة المصرية هى فى الحقيقة بيد السادة المهندسين فمنهم رئيس الوزراء، (المهندس شريف إسماعيل وقتها)، وعدد كبير من اعضاء الحكومة هم أيضا مهندسون، وإذا نظرنا إلى مشكلات شوارعنا بما تحويه من طرق وكبارى، وشبكات للصرف الصحى والمياه والكهرباء، ومن بيوت وعمارات، أفلا يتحمل المهندسون بما لديهم من قوة إدارية وعلمية تلك المشكلات التى نغرق فيها وفى مقدمتها البناء المخالف؟
هذا الكلام الذى قد لا يستقبله بعض المهندسين بارتياح، تذكرته وأنا أطالع صورة كوبرى نصرالدين بمنطقة العمرانية وقد سد نوافذ بعض العمارات الموازية لمساره، وبما جلبته تلك الصورة من سخرية على مواقع التواصل الاجتماعى، قبل أن تجبر وسائل الإعلام على مناقشة الموضوع، وإن بعيون خجولة فى بعض الأحيان.
أين كان مسئولو الإدارة الهندسية فى الحى عندما بنيت هذه الابراج السكنية؟، ألم تكن تحت إشرافهم؟ ألم يحصل أصحاب تلك العقارات على تراخيص بالبناء؟ وإذا كان بعضهم خالف تلك التراخيص على أرض الواقع لماذا لم يتحرك المسئولون قبل فوات الأوان، وبما يمنع الوضع العجيب الذى وصلنا إليه؟
وأين كان المهندسون المشرفون على إنشاء الكوبرى الذى سيمثل أحد الشرايين المهمة للطرق التى تربط جنوب الجيزة بشمالها؟ ألم يلاحظوا الخلل الذى سيعترى مسار هذا المشروع المهم؟، كيف صمتوا على المشكلات التى ستواجههم وهم يتقدمون بالإنشاءات يوما وراء الآخر حتى وصلنا إلى نقطة نقف أمامها حائرين؟!
هل سنحتاج إلى «شوار بلدنا»، الذى يظهر فى القرى عندما تقع أزمة ليقترح حلولا عادة ما تنتهى بمأساة؟ فشوار بلدنا حسب قصة متداولة، طالما ذكرنى بها صديقى مدير تحرير جريدة الأسبوع، عبدالفتاح طلعت، ابن محافظة الشرقية، شخص افتراضى يستدعيه أهل القرى فى الملمات، وقد جلبه، ذات يوم، صاحب عجل حشر رأسه داخل زير للمياه، عله يجد مخرجا لهذه الورطة.
بمجرد وصول «شوار البلد» تنفس الناس الصعداء باعتباره حامل الحل السحرى، وبعد نظرة عابرة على الوضع صاح «الشوار»: اقطعو رأس العجل، فسارعوا لتنفيذ أمره، بعدها قال لهم اكسروا الزير ففعلوا، قبل أن يصيح مهللا: ها هى رأس العجل.. انتهت المشكلة؟ لكن بعد أن خسر الفلاح المسكين ثوره وزيره!
نحن الآن أمام وضع مشابه، فى قضية كوبرى نصرالدين، وما أخشاه أن يتدخل «شوار بلدنا» ويفتى بتحطيم الكوبرى وهدم العمارات، حتى يرتاح من يصرخون على مواقع التواصل الاجتماعى طلبا لحل يحتاج إلى روية، قبل التفرغ لمحاسبة المسئولين «وبينهم مهندسون»، عن تلك الكارثة بكل شفافية، كما نأمل.