الأصدقاء هم قوس قزح
تمارا الرفاعي
آخر تحديث:
الأربعاء 18 مايو 2022 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
رأيت هذا الأسبوع سماء المدينة لونها أحمر! لم أصدق عينى حين رفعت رأسى واعتقدت أن نظرى قد تأثر بطول استعمالى لشاشة الكمبيوتر فاختلطت على الرؤية. أمعنت فى السماء علنى أستنشق اللون الأحمر فيعطينى طاقة وقوة إذ أحسست للحظات أنه، أى اللون، يحاول أن يصبغ الكون بالأحمر، لون الحب والعشق والخطر والرقص والمغامرة فى إشارة عذبة أن الحياة مستمرة.
• • •
أخذت لنفسى لحظات مع طاقة أحسست بها وكأنها نداء يحثنى على الخروج النهائى من نفق كنت قد دخلت فيه منذ شهور، وها أنا أتلقى تعليمات من الكون أن أترك النفق خلفى تماما. كانت لحظة تواصلت فيها مع ما حولى دون تخطيط مسبق منى، دون أن أنخرط بتعليمات حول التنفس البطىء والانفصال عن التفاصيل فى محاولة لتصفية الذهن، فقد صفى ذهنى تماما فى تلك اللحظة واستقبل اللون الأحمر وإشارة من العالم إلى أن ثمة ألوانا وصداقات أخرجتنى إلى النور.
• • •
ثم غربت الشمس وعدت إلى حيث أنا مع شعور عميق بالامتنان اجتاحنى فجأة. فى الأشهر الماضية تعكزت على من أحب فأخذوا بيدى وساعدونى على المشى. تسندت على من حولى حين اجتاحتنى الظلمة وحصلت على المساعدة دون أن أطلب أحيانا، فقد تناوب من حولى دون تنسيق منهم على التواجد معى سواء بالحضور أو من خلال التواصل الافتراضى. فى كل رسالة وصلتنى من صديق كنت أرى إشارة أننى مشيت خطوة، ابتعدت عن مشكلة أصابتنى واتجهت نحو الانفراج. حتى باتت أمامى خطوة واحدة أخيرة تخرجنى إلى النور فمدت لى سماء المدينة الحمراء يدها لتسحبنى برفق.
• • •
لولا وجود الأصدقاء لكنت علقت فى النفق. لولا وجودهم معى لكان طريقى أطول وأكثر وحشة. الصداقات وقت الشدة مرهم سحرى للقلب، عصا تنقر على الوجع فتخفف منه. الصداقات فى الأيام الصعبة هى شمس الخريف التى تذكر أن سقوط الأوراق لا تعنى موت الشجرة إنما هو فصل سوف يمر ليزهر الليمون من جديد. أصدقاء الصعوبات ينيرون الطريق ويحولونه إلى مشوار على طرفيه أشجار تتعانق فوق رأسى فتخفف كثيرا من أثر العاصفة.
• • •
أعيد مراجعة مواقف واجهها أصدقائى وأسأل نفسى إن كنت فعلا قد ساندتهم. أعد نفسى أن أتواجد قرب الأصدقاء أو على الأقل أن أعلمهم بأننى معهم إن احتاجوا مشاركتى لحظات الظلمة خاصتهم. هناك خيط سحرى استخدمه من أحب حتى لا يتفتت قلبى فى الفترة الأخيرة. أو هى خيوط تشابكت كلها بألوانها الزاهية للحفاظ على روحى. اليوم أنا ممتنة بشدة لمتانة تلك الخيوط وقوس قزح الذى ظهر مع ألوانها فاخترق هالة سوداء كانت تحيط بى.
• • •
اليوم، وبعد أن اخترقنى اللون الأحمر من السماء، أنا جاهزة لإمداد غيرى بالألوان، تماما كما تلقيتها. سوف أصبغ بالأحمر جدران النفق الذى تمر به صديقة لتشعر بأنه أقل وحشة هى الأخرى. سوف أتزلج على قوس قزح يربطنى بقريب يعيش بعيدا فنضحك معا كما كنا نفعل فى طفولتنا وها نحن نعود إلى الشمس معا حتى لو للحظات. سوف أسمع صوت جدتى تعاتبنا أننا لعبنا فى الرمل والشمس بثيابنا النظيفة وسوف نضحك على عتاب جدة لا تتفهم أهمية أن نقفز فوق ألوان قوس قزح! ما بها الجدة تستنكر لعبنا؟ ألا تعرف كم هى منعشة الصداقات التى تتغذى على مغامرات قد تلوث ثيابنا إنما تعطى أرواحنا اللون الأصفر والزهرى والبرتقالى؟
• • •
لولا وجود الأصدقاء لما كان هناك قوس قزح يزيح الغيمة. اليوم أنا أبصم أن للحياة معنى حين أعيشها مع مجموعة أحبها حتى لو من بعيد، إذ تسمح أدوات التواصل الاجتماعى بامتداد المحبة عبر القارات، وهذا شىء يدعو بحد ذاته إلى الاحتفال! تخيلوا معى قوس قزح يبدأ فى قارة ويمتد كجسر فى السماء حتى قارة أخرى يتمسك الأطفال بطرفيه ويتزحلقون على الألوان وهم يضحكون. وضحت الصورة؟ هذا تماما ما شعرت به مع كل فنجان من القهوة احتسيته أخيرا مع صديقة، أو مع كل اتصال تلقيته من شخص يعيش قريبا أو بعيدا عنى.
• • •
أصدقائى هم قوس قزح يذكرنى أن الشمس تظهر حتى أثناء المطر فأرفع رأسى لأتلقى ألوانه. اليوم أقرر أنه يوم أعلن فيه امتنانى لوجودهم فى حياتى ولدور كثير منهم فى إزاحة غيمة وقفت فوقى فى الأشهر الأخيرة. لولا وجود ألوانهم من حولى لكان خروجى من النفق أكثر تعقيدا. أنا ممتنة لقوس قزح رسمه من حولى وتمسكت به وأنا أسمع أغانى الأطفال من بعيد. لولا أصدقائى لما كان هناك قوس قزح.