رد ضعيف لا يؤدى إلى الردع
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الجمعة 18 يونيو 2021 - 7:35 م
بتوقيت القاهرة
الرد الإسرائيلى الضعيف على استفزازات «حماس» الأسبوع الماضي لا يتطابق مع وعود رؤساء المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلى بعد عملية «حارس الأسوار». فور التوصل إلى وقف إطلاق النار، تعهد وزير الدفاع بنى غانتس ورئيس الحكومة حينها بنيامين نتنياهو أن «ما حدث لن يحدث»، لكن الهجوم الجوى المدروس على معسكرات تدريب فارغة تابعة لـ«حماس» فى خان يونس فى غزة، ردا على إطلاق بالونات مشتعلة الأسبوع الماضي، كان من الردود التى لا تؤثر فى الغزّيين منذ وقت طويل.
صحيح أن الحكومة والجيش انتهجا ضبط النفس قبل العملية الأخيرة حيال إطلاق البالونات المشتعلة على حقول غلاف غزة، وإزاء أعمال الشغب على السياج الحدودى، بحجة أن الأضرار التى تسببت البالونات المشتعلة بها كانت ضئيلة ويجب عدم المجازفة بتصعيد بسبب الضجيج الذى يقوم به شبان من غزة خلال الليل، لكن ضبط النفس هذا فسّرته «حماس» بأنه علامة ضعف، وإظهار الضعف يؤدى إلى تآكل الردع كما هو معروف فى منطقتنا. لقد كان هذا أحد الأسباب الأساسية التى تجرأت «حماس» والجهاد الإسلامى بسببها على توجيه إنذار بشأن القدس فى الشهر الماضى، وهكذا تدهورنا إلى العملية الأخيرة.
الرد الإسرائيلى على إطلاق البالونات الحارقة من غزة كان سريعا نسبيا، لكنه غير كاف، وتأثيره أيضا كان محدودا. الهجوم الجوى الذى قرره رئيس الحكومة نفتالى بينت ووزير الدفاع بنى غانتس لا يرسخ الردع الذى وعد غانتس ونتنياهو بالمحافظة عليه بعد عملية «حارس الأسوار»، لا بل أسوأ من ذلك.
لقد أكد هذا الرد الإسرائيلى معادلة الردع الجديدة التى تريد «حماس» فرضها، معادلة مفادها إذا لم تخضع إسرائيل لمطالب «حماس» الإسلامية فى القدس، فسيدفع اليهود من سكان غلاف غزة ثمنا بالأملاك والأرواح. وجهت «حماس» إنذارا إضافيا إلى حكومة إسرائيل، وفى رأيها، هذا ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تغيير مسار مسيرة الأعلام. حسنا فعل وزير الأمن الداخلى والقائد العام للشرطة عندما غيّرا مخطط المسيرة لمنع حدوث استفزازات ضد الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية من جانب متطرفين يهود. لكن كعادتها، «حماس» سارعت إلى تسجيل ربح على الوعى واعتبرت الخطوة الإسرائيلية العاقلة خضوعا لمطالبها.
ومن أجل الإنصاف تجدر الإشارة إلى ثلاثة أسباب محتملة لهذا الرد الإسرائيلى المضبوط والضعيف. الأول، ليس لدولة إسرائيل الآن مصلحة فى الدخول فى جولة تبادُل إطلاق نار حتى ولو كانت قصيرة. مثل هذه الجولة يمكن أن يعرقل الحياة الاقتصادية فى إسرائيل، ويؤدى إلى تضاؤل مخزون السلاح الدقيق والغالى الثمن، وسيثير انتقادات دولية أيضا من طرف واشنطن.
السبب الثانى، بالإضافة إلى النقد الدولى حقيقة أن إدارة بايدن تسعى الآن للتهدئة فى الشرق الأوسط كى تتفرغ لمواجهات أُخرى مع الصين وروسيا. وتطلب الإدارة الأمريكية من إسرائيل مساعدتها فى هذا الشأن.
السبب الثالث للرد الضعيف والمضبوط هو الرغبة فى إعطاء فرصة للوساطة المصرية. رئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل ورجاله يعملون بجدية للتوصل إلى تسوية طويلة الأجل فى غزة يمكن أن تتضمن تهدئة أمنية وإعادة إعمار القطاع، وأيضا تخفف من الضائقة الحياتية لسكانه. يجب أن يُضاف إلى ذلك منع تعاظُم القوة العسكرية للتنظيمات فى غزة وصفقة تبادُل الأسرى.
طلبت مصر من إسرائيل إظهار ضبط النفس، فاستجابت إسرائيل لطلبها، من بين أمور أُخرى، لأن الحكومة الجديدة لم تبدأ عملها والمجلس الوزارى المصغر لم يجتمع بعد لتحديد سياسته بشأن مسألة غزة. لكن يجب أن نتذكر أيضا أن مصر لم تنجح بعد عملية «الجرف الصامد» فى سنة 2014 فى بلورة اتفاق بين الفصائل المختلفة على شروط وقف إطلاق النار، واستمرت المفاوضات وقتا أكثر مما هو مبرّر له من الناحية العسكرية والموضوعية، الأمر الذى سمح لـ«حماس» بأن تُلحق بنا خسائر وأضرارا غير ضرورية.
هذه المرة، بعد «حارس الأسوار» يجب أن نكون حذرين ونمنع حدوث ذلك. لن نضطر إلى الانتظار طويلا كى نعرف ما إذا كانت حكومة إسرائيل تكرر أخطاء الماضى، وإذا كانت ستنجح فى كسر معادلة الردع المتبادَل التى تحاول «حماس» فرضها مثلما فعل حزب الله.
الاختبار المقبل للحكومة الجديدة فى إسرائيل فيما يتعلق بموضوع غزة سيأتى فى وقت قريب جدا بعد بضعة أيام. إذا أصرت إسرائيل على عدم تحويل المال القطرى إلى «حماس»، وإذا لم تتراجع عن مطلبها بمنع تعاظُم قوة «حماس» وربط موضوع الأسرى والمفقودين بالموافقة على إعادة إعمار غزة، فيمكن أن تحاول «حماس» والجهاد الإسلامى فرض مطالبهما علينا بواسطة إطلاق صواريخ وبالونات مشتعلة، حينها ستحين الفرصة المقبلة لحكومة إسرائيل كى تحاول تطبيق قواعد لعبة جديدة فى مواجهة الغزّيين. وهذا ضرورى حتى لو تطلب الأمر جولة قتال أُخرى وأدى إلى انتقادات فى الساحة الدولية.
رون بن يشاي
محلل عسكرى
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية