نظرة نحو جنوبنا (٢-١)
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 18 يونيو 2022 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
بينما العالم مشغول بالحرب الروسية – الأوكرانية علينا ألا ننظر فقط شمالا ولكن جنوبا فالبحر الأحمر كان ولا يزال من أكثر المساحات المائية أهمية فى العالم، وذلك منذ فجر البشرية. وشكل جسره الشمالى فى شبه جزيرة سيناء، ومضيق باب المندب فى أقصى جنوبه، الطريق الديموغرافى الأهم ومع فتح «قناة السويس» فى عام 1876، أهدى العالم الحديث جسرا حيويا للتجارة الدولية لنقل البترول ومشتقاته. فالقناة فى الشمال، فتحت الشريان الحيوى أمام قارة أوروبا، و«باب المندب» ربط هذا الشريان بين المتوسط والمحيط الهندى، مغيرا تاريخ الاقتصاد العالمى إلى الأبد. مما صعد أطماع القوى الدولية والإقليمية المعنية بهذا الشريان.
مرت الحروب فى منطقة البحر الأحمر خلال القرن العشرين واستمرت حتى عهدنا الحالى. من عام 56 فـ 67 فـ 73 فالاستعمار البريطانى على مصر والسودان، إلى حملة تحرير الحجاز والأردن من العثمانيين إلى الساحل العربى شرق البحر، إلى انسحاب البريطانيين من الساحل الغربى للبحر، إلى حروب إسرائيل ومصر حول سيناء، إلى إثيوبيا وإريتريا وجيبوتى، إلى حرب توحيد اليمنَين فى التسعينيات، وحرب الحوثيين، إلى معاهدات أبراهام حديثا. هذه البقعة وصلت الآن إلى القمة فى تاريخها، وهى على حسب خبراء متخصصين إما أن تصل إلى السلام والاستقرار والازدهار، وإما إلى حقبة حروب ومواجهات تستمر لسنوات. وهناك قوتان ستدفعان بمنطقة البحر الأحمر إلى واقع أو آخر.
إن التهديد الأول لأمن واستقرار منطقة البحر الأحمر استراتيجيا، منذ انتهاء الحرب الباردة، كان يتمثل بالقوى الإسلامية المقاتلة والمتحالفة مع المتطرفين، التى أرادت إقامة شبه خلافة على شطرَى البحر، عبر إسقاط الأنظمة فى القاهرة، والرياض وصنعاء، والاستفادة من نظام البشير فى الخرطوم لبناء قواعد إقليمية لهكذا مشروع. وكما هو معروف كانت النواة لهذا المشروع المقاتلين العائدين من «أفغانستان» وهزيمة السوفييت فى 1989. وقد حاولوا إقناع المملكة العربية السعودية بدعمهم لإنهاء ما أسموه «الأنظمة الكافرة» ولكنها لفظتهم. فاجتمعوا تحت مظلة حسن الترابى فى الخرطوم فى عام 1992 وأطلقوا حملتهم لإسقاط الحكومات المعتدلة وضرب الولايات المتحدة. وكان هدفهم الاستراتيجى أساسا وأولا إسقاط مصر.
وحاولت هذه القوى، انطلاقا من سيطرة «الإخوان» على مصر جعل هذا البحر أكبر قاعدة لجيوش اعتقدوا أنهم بإمكانهم السيطرة عليها، إبان ما عُرف بـ«الربيع العربى». ولكن ثورة مصر الشعبية أسقطت المشروع المتطرف فى أرض النيل فى عام 2013. وأتت إصلاحات السعودية لتنهى هذا الخطر فى تلك الدولة منذ عام 2014. وغيرت ثورة السودان اتجاه الدولة فى الخرطوم فى عام 2019. فنجحت دول البحر الأحمر الكبرى، مصر والسعودية، والسودان، فى إنهاء المشروع الإرهابى الذى كاد أن يسلم الساحلَين إلى التطرف والحروب الدائمة. ويبقى لدى «القاعدة» وبعض الميليشيات المتطرفة جنوبا فى اليمن وبعض الخلايا النائمة فى إريتريا ومنطقة القرن الإفريقى.