الحرب الروسية الأوكرانية تقترب لنزاع روسي غربي
قضايا إستراتيجية
آخر تحديث:
الأربعاء 19 يونيو 2024 - 3:34 ص
بتوقيت القاهرة
يستخدم الرئيس الأمريكى الأشهر المتبقية من ولايته الأولى التى من غير المضمون تجديدها فى نوفمبر المقبل، للدفع نحو توفير مظلة أمنية لأوكرانيا تحمل صفة الاستمرارية، حتى ولو عاد دونالد ترامب إلى الرئاسة مع كل الهواجس التى يُثيرها فى الدول الأوروبية حول إمكان النأى بأمريكا عن أوكرانيا، وتاليا تمكين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين من الانتصار فى الحرب.
الاتفاق الأمنى لمدة عشرة أعوام الذى وقّعه بايدن والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى على هامش قمة مجموعة السبع فى مدينة بوليا بجنوب إيطاليا، يوم الخميس الماضى، لا شبيه له إلا الاتفاق المماثل بين أمريكا وإسرائيل.
وهذا يعطى فكرة عن النقلة الاستراتيجية التى يُوفّرها الاتفاق الذى يجعل العلاقات العسكرية بين واشنطن وكييف مشابهة إلى حد كبير لتلك القائمة بين الولايات المتحدة والدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى.
ومع ذلك، لا يرقى الاتفاق الأمريكى الأوكرانى إلى مستوى المعاهدة التى تستوجب مصادقة الكونجرس الأمريكى، ولذلك فى إمكان ترامب لو فاز فى الانتخابات إلغاء الاتفاق إذا شاء. ومن باب التحوط لهذا الاحتمال، دفع بايدن نحو توقيع اتفاق أمنى مماثل بين اليابان وأوكرانيا، فى أول دور أمنى واسع يمكن أن تلعبه طوكيو على الساحة الأوروبية.
وسبق لفرنسا أن وقعت اتفاقا مماثلاً ستُوفر باريس بموجبه مقاتلات «ميراج 2000» لكييف. لم يكن الاتفاق الأمنى وحده الضمانة لاستمرارية المساعدة العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا، إذ هناك القرار الذى اتخذه قادة مجموعة السبع بصرف 50 مليار دولار من عوائد الفوائد المترتبة على الودائع الروسية المجمدة فى المصارف الغربية البالغة أكثر من 300 مليار دولار، وتحويلها على شكل مساعدات بعيدة المدى لأوكرانيا من أجل بناء قاعدة عسكرية دفاعية تغنيها عن شراء الأسلحة من الغرب.
هذا الدعم الغربى الجديد لأوكرانيا، أتى مصحوبا بحزمة عقوبات أمريكية واسعة طاولت 300 فرد وكيان فى روسيا ودول أخرى تتعامل مع البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات.
وتحت وطاة إلحاح الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بضرورة مبادرة حلف شمال الأطلسى إلى تقديم دعم نوعى لأوكرانيا بعد التقدم الروسى فى منطقة خاركيف بشمال شرق البلاد، سمح بايدن للجيش الأوكرانى باستخدام الأسلحة الأمريكية فى قصف أهداف روسية فى نطاق جبهة خاركيف. وإذا كانت معظم دول حلف شمال الأطلسى لم تلبِ دعوة ماكرون إلى إرسال قوات إلى أوكرانيا، فإن السماح باستخدام الأسلحة الغربية، ينطوى على مجازفة كبيرة فى تقريب احتمالات الصدام المباشر مع روسيا.
• • •
الرد الروسى على الاندفاعة الغربية التسليحية، جاء على شكل مناورات بالأسلحة النووية التكتيكية قرب الحدود مع أوكرانيا. وأعلن بوتين أنه منذ الآن فصاعدا ستُرسل موسكو أسلحة إلى الدول التى تعادى الولايات المتحدة. وفى ترجمة فعلية لكلام بوتين وصلت إلى ميناء هافانا أربع سفن حربية روسية بينها الغواصة «كازان» التى تعمل بالطاقة النووية والفرقاطة «الأدميرال غروشكوف»، لإجراء مناورات مشتركة مع البحرية الكوبية. وكى لا تتخذ الأمور طابعا يُذكّر بأزمة 1962 النووية، أكدت هافانا أن السفن الروسية لا تحمل أسلحة نووية.
وقلّلت واشنطن من شأن الحدث باعتبار أنها ليست المرة الأولى التى تزور فيها سفن حربية روسية موانئ كوبية. ومن كوبا ستُعرّج السفن الروسية على فنزويلا، الدولة الأخرى الحليفة لروسيا والمناوئة للولايات المتحدة. وبينما استضاف الحلفاء زيلينسكى خلال إحياء الذكرى الـ80 لإنزال النورماندى فى فرنسا فى 8 يونيو، استضاف بوتين الرئيس الكوبى ميغيل دياز كانيل فى مايو الماضى فى موسكو خلال احتفال روسيا بالانتصار على ألمانيا النازية، فى إشارة إلى توثيق العلاقات الروسية - الكوبية فى هذه المرحلة.
رافق ذلك مع تقارير عن تجنيد روسيا كوبيين للقتال فى الحرب ضد أوكرانيا فى مقابل بدل شهرى يصل إلى ألفى جنيه استرلينى، وعن توظيف روسيا استثمارات فى القطاعين السياحى والزراعى الكوبى، وإمكان إحياء العصر الذهبى للعلاقات الروسية-الكوبية بين 1962 و1991، عندما كانت الدولتان تتبادلان النفط مقابل السكر وعندما كان الكوبيون فى عهد «الرفيق» فيديل كاسترو يُسمُون مواليدهم بأسماء روسية.
ومن كوبا إلى آسيا، حيث ينظر الغرب بقلق بالغ إلى تنامى العلاقات العسكرية بين روسيا وكوريا الشمالية، فى ضوء زيارة الزعيم الكورى الشمالى كيم جونج - أون العام الماضى لموسكو، وزيارة بوتين لبيونج يانج يومي 18 و19 يونيو الجاري. وتتهم واشنطن كوريا الشمالية بتزويد روسيا بالقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ فى مقابل مساعدة الكرملين كيم جونج - أون فى تعزيز برنامجه الصاروخى.
وفى ناحية أخرى جديرة بالاهتمام، كرّس قادة مجموعة السبع الكثير من الوقت خلال قمتهم الإيطالية، لدرس الوسائل الكفيلة بجعل الصين تمتنع عن مساعدة روسيا فى الالتفاف على العقوبات الغربية. اتهامات قادت بكين إلى عدم تلبية دعوة كييف للمشاركة فى مؤتمر دولى عقد فى سويسرا السبت والأحد الماضيين للبحث فى عملية السلام فى أوكرانيا. يفرض واقع التطوير المتسارع للمساعدات العسكرية الأطلسية لأوكرانيا، طرح السؤال الآتى: هل اقترب النزاع الأوكرانى من التحول إلى حرب روسية - غربية تُطلق شرارة الحرب العالمية الثالثة؟
سميح صعب
موقع 180