من (الهرولة) إلى (التسول)
وائل قنديل
آخر تحديث:
السبت 18 يوليه 2009 - 6:39 م
بتوقيت القاهرة
إذن.. أنا وأنت وأبوك وأبويا وابنك وابنى مدينون باعتذار فورى للكيان الصهيونى على ما اقترفناه بحقه طوال العقود الماضية من جرائم.. هذه هى باختصار خلاصة نظرية ولى عهد البحرين سلمان بن خليفة بن حمد بن خليفة بن حمد بن خليفة بن حمد.. بن خليفة.. وهكذا دواليك إلى أن تتعب من التكرار.
ولى العهد البحرينى تجاوز مرحلة «الهرولة» إلى التسول علنا وعلى قارعة الطريق من الإسرائيليين أن يغفروا لنا خطايانا فى حقهم لأننا «نحن العرب لم نفعل ما فيه الكفاية للتواصل مباشرة مع الشعب الإسرائيلى» بنص عبارات ولى العهد فى مقاله بصحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية قريبة الصلة باللوبى الصهيونى.
ولى العهد هنا يحرق المراحل ــ كما يشعل الصغار النار فى أكوام القش ــ إذ يقفز من مرحلة التطبيع مباشرة إلى مرحلة الانسحاق التام أمام العدو الصهيونى، وبدلا من أن يفعل مثل أهل التطبيع ويقول إنه بالإمكان القبول بالعدو مقابل أجزاء مما اغتصبه من أراض عربية، ها هو يقبل أقدامهم لكى يقبلوا بنا إلى جوارهم.
وظنى أن هذه مرحلة متقدمة للغاية، وغير مسبوقة من التعرى والانكشاف المجانى، لأنه ببساطة، وبعد اللقاء الثلاثى الأخير فى كافتيريا شرم الشيخ يعلن أن لا أوراق بيد العرب والموقف برمته صار رهنا بما تقرره إسرائيل بشأننا، فلها أن تقبل بوجودنا فى المنطقة معها فى إطار المحافظة على هذا الجنس البشرى النادر من الانقراض، أو تطهر العالم كله من هذه النوعية الرديئة من البشر.
وليس بعيدا عن هذا الطرح المهين من ولى عهد البحرين هذه الموجة العاتية فى هجوم التطبيعيين فى القاهرة وعواصم أخرى، وتلك الدعوات المسمومة لإعادة النظر فى مصطلح التطبيع وتعريفه، ثم إعادة إنتاجه فى عبوات أنيقة بغلاف مبهر، على أساس أن «المتغيرات توالت والمسائل المختلفة تفرض تحدياتها» كما يذهب أنفار الإعلام الحكومى الجديد.
وبصرف النظر عن أن الكلام عن «المتغيرات والمسائل» يبدو عبثيا ومضحكا بامتياز، إلا أنه ينذر بهجمة جديدة تستهدف محاولة أخرى لخلخلة ما استقر فى الوجدان العربى من أن العدو هو إسرائيل وليس طهران ولا حماس ولا حزب الله.
من ذلك مثلا ما يعتبره الدكتور عبدالمنعم سعيد غريبا ومضحكا بقوله فى حوار مع منى الشاذلى أن الأجيال الجديدة تقف مندهشة أمام الاشتباك حول «التطبيع» وحجته أن هذه أجيال لا تعرف ما هو التطبيع أصلا ومن ثم تتعامل مع ما تراه أمامها على أنه معارك لا تخصها ولا تعلم عنها شيئا.
غير أن الدكتور سعيد يتجاهل عمدا أن هذه الأجيال التى يزعم أنها منقطعة الصلة عن معارك التطبيع هى ذاتها وقود كل المظاهرات التى خرجت ضد العدو الصهيونى فى الجامعات والنقابات، وأحيله إلى إحباط قوات الأمن المصرية لمحاولات تسلل تلاميذ مدارس مصريين إلى الأراضى المحتلة بداعى تنفيذ عمليات ضد إسرائيل كنوع من التأييد للإخوة الفلسطينيين الذين يواجهون حرب إبادة حقيقية.
ومن ثم، فإن ترديد مزاعم من عينة أن أجيال ما بعد 1982 غير معنية بمسائل مثل التطبيع هو من قبيل مخادعة الذات قبل أن تكون خداعا للآخرين.