الشباب العربى يتقدم مع إخفاق الإسلاميين


ديفيد جاردنر

آخر تحديث: الإثنين 18 يوليه 2011 - 10:02 ص بتوقيت القاهرة

 بعد ستة أشهر فحسب، بدأت التعبيرات البلاغية تمثل إزعاجا. حيث يرى بعض المعلقين أن الربيع العربى، بصدد الدخول فى شتاء متجمد للغاية، بعد أن دخل صيفا ساخنا طويلا. وهناك شىء غير واضح فى هذه الرؤية، يبدو أنه يهفو إلى النظام القديم فى الشرق الأوسط، وربما يريد استبداله بشكل من أشكال الأمر الواقع المخفف. ولكن هل سار الشوق المكبوت إلى التغيير فى أنحاء العالم العربى فى الاتجاه الخاطئ بالفعل، لهذه الدرجة؟

لقد كان المؤكد أن فترة الانتقال من النظم المستبدة الراسخة، المدعومة غالبا من الغرب، ستكون حافلة بالفوضى الطويلة، والعنيفة غالبا. وقد اعتبرت الإطاحة الناجحة بنظامى بن على ومبارك فى تونس ومصر سلمية، بالمقارنة بالصراعات الحالية فى سوريا وليبيا. ولكن فى مصر على سبيل المثال، قتل 850 شخصا على أيدى القوات الأمنية، وفقا للأرقام الرسمية، على الرغم من أن غالبية أساليب ثوار ميدان التحرير لم تكن عنيفة.

وفى تونس، تعاود عناصر النظام القديم تجميع صفوفها، وكذلك فى مصر بينما لايزال المجلس العسكرى يتولى السيطرة. ومازال أمام كل من البلدين وقت طويل قبل أن نستطيع القول إنها تسير بخطى ثابتة نحو الديمقراطية. غير أن هذا لا يختلف كثيرا عما كان عليه الحال، مثلا، بعد وفاة فرانكو فى إسبانيا عام 1975.

وفى سوريا وليبيا، يبدو من المؤكد أنه سيكون هناك المزيد من نزف الدماء. لكن القاعدة القبلية لكل من القذافى والأسد تضيق، بينما تتسع قاعدة المعارضة لهما وتزداد حركتها تنسيقا. ويتمثل التخوف الحقيقى الكامن خلف نبوءات الرافضين لهذا التغيير فى أن الإسلاميين قد يصلون إلى الحكم فى أنحاء المنطقة. وهم يدللون على ذلك بنجاح حماس فى الانتخابات الفلسطينية، وحزب الله فى لبنان، ومجموعة الأحزاب الإسلامية فى العراق.

وهذا صحيح، فبعد أن محا الحكام المستبدون ــ المدعومون من الغرب ــ كل أشكال المعارضة عن المشهد السياسى، لم يتركوا مجالا لمعارضيهم، سوى فى المساجد والمعاهد الدينية، ومن ثم سلموا الساحة العامة للمؤسسات الدينية كى توفر لهم الشرعية، وتطوق الإسلاميين فى نفس الوقت. ومن ثم فمن المؤكد أن مستقبل السياسة العربية سيكون له مسحة إسلامية.

غير أن الدليل التجريبى من الانتخابات يشير إلى أن الحركات الإسلامية تناضل من أجل الحصول على ما يتراوح بين 15 و25 فى المائة من الأصوات فى منافسة مفتوحة (مع التسليم بالتفاوت فى جودة هذه المنافسات ودقتها). ويصح هذا القول من المغرب إلى إندونيسيا، وفى الأردن أو مصر حيث تقوى شوكة الإخوان المسلمين. وهناك استثناءات، فعندما تكتسب أى حركة الهالة التى تضفيها المقاومة، سواء ضد احتلال أو نظام فاسد، كما فى حالات حماس فى فلسطين، وحزب الله فى لبنان، أو التيار الصدرى فى العراق، يمكن أن يزيد تأثيرها الانتخابى عن هذا المعدل. ولكن هذه «الميزة» لم تعد مضمونة.

فعلى الحركات التى تستفيد من هذه الهالة أن تعمل، فناخبوها لن يطعموا شعارات. لكن التهديد الرئيسى لـ«ميزة المقاومة» هذه، يتمثل الآن بالطبع فى حركات الشباب الجماهيرية التى ظهرت ــ خارج صفوف الإسلاميين والأنظمة ــ لتطيح بوضع الاستبداد فى المنطقة. وهم يفعلون ما فشلت فى تحقيقه عشرات السنين من نشاط الحركة الإسلامية.

وربما يكون أداء الإخوان المسلمين فى مصر وحزب النهضة فى تونس جيدا فى الانتخابات المقبلة هذا العام، غير أن الناخبين فى البلدين يعلمون أنهم ترددوا قبل الانضمام إلى الانتفاضتين. فضلا عن أن الحركات الإسلامية التى تدخل معترك السياسة الديمقراطية، من الممكن أن تحفز المعارضة والمنافسة.

وخلال العقد الماضى، نجح حزب العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات والمتجاوز للحركة الإسلامية، فى إحداث ثغرة فى بنية سياسية كانت جامدة، وأجبر المؤسسة الكمالية التى أطاح بها على تقبل أن تغيير الحكومات ممكن فقط عبر صناديق الانتخاب، وليس عبر الجنرالات والقضاة. وبعد أن حققت حماس فوزا ساحقا على فتح فى انتخابات 2006، كان على المؤسسة الوطنية الفلسطينية أن تنتقل من بناء الذات إلى بناء الأمة، من أجل العودة إلى اللعبة السياسية.

غير أن الفكرة الأساسية تتمثل فى أن الاستبداد والحركة الإسلامية، كان كل منهما يتغذى على الآخر فى ظل النظام القديم. وليس هناك ما يمكن البكاء عليه بشأن انتهاء هذا التعايش الضار. ولكن هناك الكثير مما يدعو للاحتفاء، فعلى الرغم من جميع الصعاب يوجد فى صفوف الطبقات المتوسطة الشابة النشطة من بلدان العالم العربى الناهض، ديمقراطيون تتحقق بهم الديمقراطية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved