قمة هلسنكى لم تحمل جديدا: الإيرانيون باقون فى سوريا
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 18 يوليه 2018 - 10:40 م
بتوقيت القاهرة
كانت قمة بوتين ــ ترامب بعد ظهر يوم الاثنين الماضى فى هلسنكى إحدى الحوادث الأكثر غرابة فى الدبلوماسية الدولية منذ نهاية الحرب الباردة. بدلا من المطالبة بتوضيحات بشأن تدخل الاستخبارات الروسية، المؤكد على ما يبدو، فى الانتخابات فى الولايات المتحدة، هاجم الرئيس الأمريكى موظفى إدارته، ووكالة الاستخبارات الأمريكية، والحزب الديمقراطى، وجميع الأمريكيين الذين ادّعوا أن الروس ساعدوا فى انتخابه. فى الوقت عينه، أعلن ترامب أنه يكفيه تماما تكذيب الرئيس بوتين وأعضاء إدارته بأنهم لم يتدخلوا فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
بالتأكيد، سيشكل هذا معلما مخجلا فى تاريخ الإدارات الأمريكية، ليس بسبب مضمون كلام ترامب، بل بسبب الظرف الذى قيل فيه فى أثناء لقاء قمة مع رئيس روسيا، الذى على ما يبدو، هو المسئول عن محاولة التدخل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية بواسطة وسائل التواصل الاجتماعى. لقد كان من المخجل رؤية الرئيس الأمريكى يهاجم الأشخاص الذى يعملون معه، أو مواطنين مخلصين لبلده، لكنهم ليسوا من حزبه. لقد كان هذا تصرف رئيس لا يحترم نفسه ولا الإدارة التى يترأسها.
لكن ما يهم مواطنى إسرائيل هو بصورة أساسية تأثير هذه القمة فى الأحداث فى سوريا، وخصوصا فى التمركز الإيرانى فى سوريا وإبعاد خطر الحرب فى الشمال.
فى هذا السياق، يبدو أن القمة لم تؤد إلى أى جديد. الوضع حاليا هو تماما بحسب ما جرى الاتفاق عليه بين بوتين وبنيامين نتنياهو فى اللقاء الأخير الذى جرى بينهما فى الأسبوع الماضى: سيسمح لبشار الأسد ببسط سلطته فى جنوب سوريا وفى الجولان السورى، لكن محاولته إلغاء اتفاقات وقف النار العائدة إلى سنة 1974، واتفاقات نزع السلاح وتخفيف عدد القوات التى وُقِّعت بعدها فشلت. لقد قال بوتين بوضوح أيضا فى مؤتمر صحفى إن روسيا تطلب من الأسد الانصياع لكل بنود اتفاق فصل القوات المبرم بعد حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973) والذى لا يزال سارى المفعول حتى هذا اليوم.
لقد امتنع بوتين من الحديث بوضوح عن منع التمركز الإيرانى فى هضبة الجولان وأيضا عن إخراج الإيرانيين من سوريا، وصرح فى المؤتمر الصحفى بعد القمة أن «ترامب تحدث طوال الوقت عن أمن إسرائيل»، لكنه لم يقل كلمة واحدة بشأن ما يفكر فيه هو نفسه بشأن مطالب إسرائيل فى موضوع الإيرانيين فى سوريا وهضبة الجولان. وهذا يعنى أنه لم يتحقق أى تقدم فى الموضوع باستثناء ما اتفق عليه نتنياهو مع بوتين.
أيضا فى حديث فى الكرملين خلال المونديال قال بوتين إنه يؤيد مطالبة إسرائيل بأن تحترم سوريا اتفاقات فصل القوات فى الجولان. وقال أيضا إنه سيقنع الأسد والإيرانيين بالامتناع من نشر ميليشيات إيرانية وميليشيات تابعة لحزب الله بالقرب من حدود إسرائيل فى الجولان. واقترح بوتين إبعاد الإيرانيين والتنظيمات الدائرة فى فلكهم بضعة عشرات الكيلومترات شرقى خط الحدود لكن لم يجرِ التوصل إلى اتفاق بينه وبين نتنياهو فى هذا الموضوع أيضا، إذ إن نتنياهو لم يوافق حتى على إبعاد الإيرانيين 80 كيلومترا عن الحدود، والسبب بسيط: تطالب إسرائيل بخروج الإيرانيين والتنظيمات الدائرة فى فلكها، الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية وأيضا حزب الله من سوريا بصورة كاملة، وقد أوضح بوتين لنتنياهو أن هذا أمر مستحيل ولا يستطيع فرضه على إيران وسوريا.
يبدو أن هذا هو الرد الذى حصل عليه ترامب: ومما قاله خلال فترة الأسئلة فى المؤتمر الصحفى، يبدو أنه أثار نقطة إضافية فى اجتماع القمة مع بوتين: ذكّر الرئيس الأمريكى نظيره الروسى بأن الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والتى تعمل على الأرض مع قوات خاصة أمريكية هى التى قضت عمليا على سيطرة داعش على الحدود مع العراق فى منطقة نهر الفرات.
قال ترامب لبوتين: يستغل الإيرانيون واقع أننا طردنا داعش من المعابر الاستراتيجية بين سوريا والعراق من أجل فتح معبر برّى من طهران مرورا بالعراق إلى دمشق وسهل البقاع فى لبنان. وعلى ما يبدو قال ترامب: نحن لن نسمح بذلك، وقد لمّح إلى ذلك فى المؤتمر الصحفى.
لدى الرئيس الأمريكى القدرة على تنفيذ تهديداته لأن القوات الكردية الموالية للولايات المتحدة والمدعومة منها مباشرة تسيطر على نحو ربع أراضى سوريا، وعلى كل المنطقة الواقعة شرقى نهر الفرات. بالإضافة إلى ذلك يوجد للأمريكيين قاعدة جوية وبرّية كبيرة بالقرب من معبر التنف، ويستطيعون انطلاقا منها استخدام قوات جوية وقوات خاصة ومساعدة الأكراد فى سوريا.
يريد بوتين ومن يحيا فى حمايته بشار الأسد أن يغلق الأمريكيون هذه القاعدة التى تزعجهم كثيرا. لم يظهر أى مؤشر فى المؤتمر الصحفى إلى أن ترامب وافق على هذا الطلب. صحيح أنه غرّد فى الماضى أنه يريد إخراج القوات الأمريكية من سوريا، لكن فى هذه الأثناء، يبدو أنه تنازل عن ذلك بتأثير من البنتاغون ومستشار الأمن القومى جون بولتون. وهذا يعطيه أداة للضغط على الروس أيضا فى قطاعات أُخرى، مثل أوكرانيا واتفاقات نزع السلاح النووى بين القوتين العظميين التى يجرى تجديدها حاليا.
ثمة موضوع آخر طُرح فى المحادثات يتعلق بإسرائيل هو الاتفاق النووى بين الدول العظمى وبين إيران. هنا أيضا ظلت الولايات المتحدة وروسيا متمسكتين بمواقفهما الأساسية. لقد خرج ترامب من الاتفاق وقريبا سيفرض عقوبات على الإيرانيين، بينما تؤيد روسيا الاستمرار فى تطبيق الاتفاق.
باختصار، فى كل ما له علاقة بإسرائيل ترامب تحدث كثيرا وبوتين تحدث قليلا، وباستثناء الموافقة على مواصلة التنسيق العسكرى بين الجنود الأمريكيين والروس الموجودين حاليا فى سوريا لمنع وقوع احتكاك غير مرغوب فيه بينهما، لم يوافق الزعيمان على أى شيء جديد. ليس هناك بشرى لإسرائيل من اجتماع ترامب ــ بوتين وأيضا ليس هناك بشرى للاجئين السوريين الذين يزداد وضعهم الإنسانى تفاقما بعد مرور سبع سنوات على الحرب.
إذن ماذا حققت هذه القمة؟ الإنجاز الأساسى أن الزعيمين قررا تحسين الأجواء بينهما، وهذا على الأقل، يخفف من التوترات فى الساحة الدولية، وقد يسمح مستقبلا بالتعاون بينهما هنا وهناك. أن يتحدثا عن مصالحة أفضل من شحذ سيوف نووية.
نصل هنا إلى الاتفاق الثانى الذى جرى التوصل إليه فى هذه القمة: الاتفاق مبدئيا على تجديد اتفاقات نزع السلاح النووى التى ستنتهى صلاحيتها فى وقت قريب وتوقيعها من جديد. فى خطابه إلى الأمة فى بداية السنة عرض بوتين أسلحة جديدة معظمها قادر على حمل رءوس حربية نووية، وبحسب كلامه ليس لدى الغرب وسائل للدفاع عن نفسه إزاءها. لهذا يجرى الحديث كثيرا فى العالم الغربى وفى الولايات المتحدة عن سباق على التسلح النووى وأيضا التقليدى الذى تجدد مؤخرا مثلما كان خلال فترة الحرب الباردة.
يبدو أن محاولة جدية بُذلت فى القمة بين ترامب وبوتين للتوصل إلى تفاهمات مبدئية أيضا فى هذا الموضوع المهم، لكن سنحتاج إلى الانتظار كى تتضح التفاصيل، هل جرى التوصل إلى مثل هذه التفاهمات فعلا؟
فى الخلاصة يمكن القول إنه باستثناء تبديد التوترات والموقف غير المنضبط للرئيس الأمريكى وعدم احترامه لنفسه، لم تحمل هذه القمة الأولى بين زعيمى دولتين عظميين تملكان معا 90% من الترسانة النووية العالمية بشائر كثيرة.
رون بن يشاى
يديعوت أحرونوت