السيادة ليست وجهة نظر
نيفين مسعد
آخر تحديث:
الخميس 18 أغسطس 2011 - 9:20 ص
بتوقيت القاهرة
يدرس طالب العلوم السياسية فى أول عام له بكلية الاقتصاد مقومات الدولة فيعرف أن السيادة هى مقوم أصيل جنبا إلى جنب مع كل من الشعب و الإقليم. ومعنى هذا أنه قد ينشأ كيان على قطعة من الأرض معلومة الحدود وتسكنها مجموعة من البشر لكن قبل إعمال هذا الكيان لسيادته فإنه يكون فى طور استكمال أركان الدولة، أى يكون دولة ناقصة السيادة.
وفى الأسابيع القليلة الماضية أطلت علينا ثلاثة نماذج عربية تجسد لنا بعض إشكاليات التعامل مع السيادة. النموذج الأول من مصر و يعكس محاولة افتكاك سيادة الدولة من أطر التأثير الخارجى عليها، وتأكيد معنى الانقطاع عن عصر ما قبل 25 يناير. عبر عن هذه المحاولة مثول الرئيس المصرى السابق أمام القضاء، وقد قيل قبل محاكمته كلام كثير حول ضغوط خليجية بالأساس لمنع هذا التطور. وعندما أطل مبارك على المصريين فى الجلسة الأولى من خلف القضبان كان الظن أنها ستكون الجلسة الأخيرة، فلما جىء به لجلسة 15 أغسطس شاع أن منع البث للجلسات المقبلة هو ثمرة صفقة بين مصر و دول الخليج، مع أن المنع يسرى على البث المباشر لا على البث اللاحق.
وبالتوازى مع هذا الحدث الجلل تشهد العلاقات المصرية – الأمريكية أزمة حقيقية نتيجة الخلاف حول قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى. بدأت هذه الأزمة بالإعلان عن المبالغ الضخمة التى ضُخت فى مصر لتمويل التحول الديمقراطى ووصلت إلى استقالة مدير مكتب هيئة المعونة الأمريكية فى مصر أو إقالته. فهل يُفهم من ذلك أن مصر الثورة قد استردت سيادتها بالكامل ؟ الإجابة قطعا بالنفى، فعندما يتلازم المؤشران المصرى والسعودى صعودا و هبوطا فى الموقف من الثورات العربية فهذا دليل على أن تحرر السيادة ليس كاملا، وعندما تتجمد خطوات تحسين العلاقة مع إيران ــ رغم ألف مأخذ على سلوك هذه الأخيرة ــ دون إعلان السبب الحقيقى وراء التجميد فإن هذا أيضا لا يمثل قطيعة مع ما سبق، وبالطبع عندما تعربد جماعات التطرف الدينى وتعبث الأصابع الإسرائيلية بأمن سيناء فهذا حصاد مر لسياسات سابقة أهملت هذا الجزء المحرر من الوطن. لكن رغم كل هذه الخروقات فى ثوب السيادة المصرية فإن المخلصين من أبناء البلد يشتغلون على رتقها فى أناة و تصميم.
النموذجان الآخران من لبنان والعراق. فكم كان مخزيا أن تجتمع إرادة 14 دولة فى مجلس الأمن على إصدار بيان رئاسى يدين الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان فى سوريا، بينما يمتنع لبنان العضو العربى الوحيد فى المجلس عن التصويت. هذا الموقف وصفته مصادر وزارية لبنانية بالقول « إن لبنان رأى النأى بنفسه عن البيان «، وزاد بعضها بما هو أنكى فتحدث عن مخاوف من توجيه سوريا اللوم للبعثة اللبنانية فى مجلس الأمن لأنها لم تصوت ضد البيان. كلنا يعلم كم هو عميق النفوذ السورى فى لبنان قبل 2005 و بعده، لكن بعضنا فقط هو الذى يرفض الوصاية السورية على لبنان و يسمى الأشياء بأسمائها فيميز بين الممانعة الخارجية لسوريا و الاستئساد الداخلى على مواطنيها العزل. إن العلاقة العضوية بين جارين تفصلها شعرة عن وصاية جار على الآخر.
شئ أقبح من ذلك يعيشه العراق فخروقات سيادته بالجملة : أمريكية و إيرانية و تركية و خليجية وإسرائيلية و حتى وقت قريب سورية. وآخر تجليات الخروق الإيرانية للسيادة العراقية قصف القرى و البلدات الحدودية فى إقليم كردستان العراقى تعقبا لمقاتلى حزب الحياة الحرة الإيرانى المتمركز هناك. تحدثت المصادر العراقية عن تطوير إيران هجماتها الحدودية الأخيرة طوليا و عرضيا وعن تسببها فى قتل العشرات و نزوح المئات نجاة من القصف. أما المفارقة فهى أنه عندما استصرخ إقليم كردستان حكومة بغداد لإدانة العدوان الإيرانى، جاء الرد أن هذا حق لإيران دفاعا عن أمنها وتنفيذ لاتفاق سابق مع العراق. وعندما لوح الإقليم بمطالبة مجلس الأمن بالتدخل لوقف القصف هدد المركز بمطالبة المجلس بالتدخل ضد دول خليجية ترسل مقاتليها للعراق. وهكذا لم يرتفع صوت لمؤازرة كردستان إلا صوت وزير الخارجية الكردى هوشيار زيبارى، ولا تعليق.
بتاريخ 3 أغسطس الماضى كتب عبدالله اسكندر فى جريدة الحياة اللندنية مقالا بعنوان «سيادة العراق وجهة نظر». و الرد على هذا العنوان الساخر هو أن اللحظة التى يدور فيها الحديث عن تعدد وجهات النظر فى السيادة هى نفسها اللحظة التى تسقط فيها هذه السيادة.