السادة والعبيد فى نقابة الصحفيين
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 18 أغسطس 2015 - 8:25 ص
بتوقيت القاهرة
تحت سمع وبصر نقيب الصحفيين الحالى يحيى قلاش والسابق ضياء رشوان، أطاح قانون الصحافة الجديد بكل مفاهيم العدالة والإنصاف، وعصف بكل مفاهيم المساواة فى الحقوق والواجبات بين أعضاء الجماعة الصحفية فى مصر، وقسمهم إلى «سادة» وهم صحفيو الجرائد القومية، و«عبيد» وهم صحفيو الجرائد الحزبية والمستقلة!
هذا القانون الجائر كرس وجود أوضاع نقابية بائسة يعانى منها عدة آلاف من الصحفيين النقابيين وغير النقابيين بالصحف الحزبية والخاصة والمواقع الالكترونية، معظمهم ــ وخاصة الشباب منهم ــ يتقاضون مرتبات هزيلة، يضطرون بسببها إلى العمل فى أكثر من صحيفة، ليوفروا مجرد الحد الأدنى من احتياجاتهم المعيشية الأساسية، ومعظم وقتهم يضيع فى السعى وراء لقمة العيش، دون أن يجدوا أى فرصة أمامهم لتطوير أنفسهم مهنيا وثقافيا، وكل أحلامهم أصبحت تنحصر فى الهروب من البلد، والعمل فى صحف ومجلات الخليج.
كل أبواب القانون الخمسة لم تذكر هؤلاء الصحفيين بكلمة واحدة تعطى لهم حقوقهم النقابية الضائعة، وكأنهم ساقطو قيد، ليس لهم أى وجود، ولا أقول حقوقا، فى نفس الوقت الذى أغدقت فيه على صحفيى الصحف الحكومية بكل المزايا، بداية من توزيع الأرباح السنوية، رغم الخسائر الفادحة التى تحققها هذه المؤسسات الصحفية، نهاية بالمكافآت السخية التى تقدمها لهم فى نهاية الخدمة، والتى مدها القانون الجديد لسن الخامسة والستين، وقصرها على ستين عاما لصحفيى الجرائد الحزبية والخاصة.
بشكل أو بآخر، يمكن القول إن القانون الجديد يهدر مع سبق الإصرار والترصد المال العام، بعد ان تجاهل كل ديون الصحف القومية للدولة، والتى تتعدى بالمناسبة مليارات الجنيهات، تتحملها ميزانية الدولة ومن يدفعون الضرائب، أما الأمر المثير للدهشة، فإن القانون لم يطلب من هذه الصحف القومية نظير اسقاط كل هذه الديون الضخمة سوى «أن تفتح صفحاتها لكل الآراء» فقط لا غير، وهو بالمناسبة أيضا واجب مهنى ينبغى أن تلتزم به كل صحيفة محترمة، تستهدف تحقيق المصداقية فى عملها، واكتساب ثقة القارئ، وهو ما يؤدى فى النهاية لزيادة توزيعها، لا فرق فى هذا الأمر بين صحيفة وأخرى !
ما تجاهله القانون لدور الصحف الحزبية والخاصة فى ثورة يناير، هو كارثة أخلاقية وسقطة وطنية بكل المقاييس، ففى الوقت التى واجهت هذه الصحف جبروت مبارك خلال سنوات حكمه، وكشفت مظالمه وديكتاتوريته، وطالبت بإسقاطه، ثم انحازت منذ أول لحظة لثوار التحرير فى كل محافظات مصر، كانت كل صحفنا القومية بلا استثناء تدافع عن مبارك، وتدعو لإعطائه فرصة ثانية، وتطالب الثوار بالعودة إلى بيوتهم، فى سياسة تحريرية تواطأت تماما مع نظام المخلوع ضد الثورة والثوار، إلى أن تغيرت هذه السياسة بعد ضمان سقوط وانهيار نظامه!
الصحف الحزبية وعلى رأسها الأهالى والشعب والوفد والعربى الناصرى، هى التى جددت دماء الصحافة المصرية فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى، ولعبت دورا وطنيا وتنويريا بشرف وشجاعة فى معارضة سياسات السادات ومبارك، فى وقت كانت الصحف القومية الرسمية أشبه بالنشرات الإعلامية والدعائية، التى تمجد النظام وتنصره على طول الخط.
أما الصحف الخاصة كالمصرى اليوم والشروق والتحرير وغيرها، فقد نجحت فى تقديم نموذج جديد للصحف المستقلة، وانحازت لقضايا الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وفتحت صفحاتها لمختلف الاراء، واكتسبت لها ولكل الصحف الأخرى مساحات أوسع من الحرية فى الكتابة ونقد المسئولين وفى مقدمتهم رئيس الجمهورية نفسه، وهو أمر كان من أهم الخطوط الحمراء التى يعرفها كل الصحفيين.
كل هذا التاريخ المشرف، أسقطه القانون الجديد بجرة قلم، ليكرس أوضاعا ظالمة، لن يدفع فاتورتها الضخمة إلا شباب الصحفيين الذين طردتهم نقابتهم من جنتها البائسة لتهدر حقوقهم فى وضع قانون عمل موحد وضمان حصولهم على مرتباتهم بانتظام، ولتضع بالتالى مستقبل الصحافة المصرية نفسه أمام مصير مظلم، وكأننا لا زلنا نعيش فى أيام مبارك، وكأن لا ثورة قامت ولا شعب ثار!