توجه بائس وإرادة استبدادية
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 18 أغسطس 2017 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
فى مصر، يروج لتوجه بائس بشأن تعديلات دستورية تطيل سنوات الفترة الرئاسية (من ٤ إلى ٦ سنوات)، وتزيد من سلطات رئيس الجمهورية على حساب صلاحيات البرلمان والحكومة.
دعكم، أعزائى القراء من الدفوع الواهية التى يقدمها «طيور ظلام المرحلة» لتبرير تعديل الدستور، كعدم احتمال البلاد لإجراء انتخابات رئاسية كل أربع سنوات لدواعى الاستقرار وترشيد النفقات أو كاحتياج رئيس الجمهورية إلى أكثر من أربع سنوات لتنفيذ وعوده الانتخابية قبل أن يعود اسمه مجددا إلى صناديق الاقتراع أو كمحدودية السلطات والصلاحيات التى يقرها الدستور لرئيس الجمهورية وضرورة تمكينه من المزيد لكى يستطيع ممارسة مهامه بفاعلية.
فتلك الدفوع، وهى تجرى على ألسنة اعتادت تبرير جميع أفعال الحكم دون اعتبار لقيم الحق والحرية والعدل، إما تفتقد المعنى أو المصداقية أو تفتقد كليهما معا.
فلا معنى لادعاء أن إجراء الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات يتناقض مع أهداف الاستقرار، لأن العبث بدستور أعد قبل أربع سنوات يضرب الاستقرار. وتغيب المصداقية عن حديث ترشيد النفقات الذى يلزم بإطالة سنوات الفترة الرئاسية حين تأتى به أصوات اعتادت الصمت على التبذير الحكومى، وتبرير التعامل غير الرشيد مع الموارد العامة (بالتأكيد طالع بعضكم تقارير أهل الاختصاص العديدة المتعلقة بتفاصيل توظيف الموارد العامة فى المشروعات الكبرى كتفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وتضخم تكاليفها بسبب التعليمات بضغط الفترة الزمنية المحددة للتنفيذ) طالما لم يحظ هذا وذاك بامتعاضات الحاكم ونخبته أو تلاقى مع رغباته.
●●●
ولا معنى للقول إن تحقيق رئيس الجمهورية لوعوده الانتخابية يقتضى إقرار فترات رئاسية أطول مما تنص عليه المواد الدستورية، لأن تحديد الفترة الرئاسية بأربع سنوات معمول به فى الكثير من النظم السياسية ذات البناء المتشابه مع بناء النظام السياسى المصرى (النظم الرئاسية). وفى ظروفنا الراهنة، تغيب المصداقية الأخلاقية والسياسية عن الدفع بحتمية إطالة الفترة الرئاسية لدواعى إنجاز برنامج انتخابى لم يصغ من ابتداء.
أما التحجج بمحدودية سلطات رئيس الجمهورية فى مقابل تمدد صلاحيات البرلمان والحكومة، فلا يعوزه للدحض، من جهة أولى، سوى النظر إلى المواد الدستورية التى تضمن للرئيس سلطات تنفيذية وتشريعية واسعة تجعل منه مركز القوة الرئيسى فى النظام السياسى المصرى.
من جهة ثانية، مررت خلال السنوات الماضية قوانين وتعديلات قانونية مثل قانون الأجهزة والهيئات الرقابية وقانون السلطة القضائية أضافت إلى صلاحيات رئيس الجمهورية وعصفت باستقلالية هيئات كالجهاز المركزى للمحاسبات ومرافق عامة كمرفق القضاء التى أضحى رؤساؤها إما يعينون ويعزلون من قبل رئيس الجمهورية أو يختارون من قبله ووفقا لإرادته وتفضيلات الأجهزة التى يحكم من خلالها.
من جهة ثالثة، يسهل تفنيد التحجج بالمحدودية المتوهمة لسلطات رئيس الجمهورية بتحليل موضوعى لحصاد السنوات الماضية فى مصر التى اتسمت بالقرارات والسياسات العديدة التى اتخذها الرئيس الحالى دون تدخل أو مراجعة أو مساءلة من قبل حكومة هويتها الحقيقية هى كونها هيئة معاونة للرئيس، وبرلمانا لا عمل له سوى الموافقة على كل ما تدفعه باتجاهه رئاسة الجمهورية والحكومة.
فالفعل التشريعى للبرلمان الحالى حددت ملامحه قبل أى شىء آخر موافقته على مئات «القرارات الرئاسية بقوانين» التى كانت الرئاسة المؤقتة للمستشار عدلى منصور والرئاسة الحالية قد توالتا على إصدارها قبل بدء انعقاد البرلمان فى ٢٠١٥، ثم تمريره دون مناقشة فعلية للعدد الأكبر من مقترحات القوانين التى تقدمت بها الحكومة منذ بدء الانعقاد. وبين القرارات الرئاسية بقوانين تعصف بالحقوق والحريات كقانون التظاهر، وبين القوانين التى اقترحتها الحكومة ومررها البرلمان قوانين تنسف فى الجوهر مبادئ دولة القانون كقانون الأفراد والكيانات الإرهابية. وهنا وهناك لم يعترض البرلمان، وتكفلت رئاسته وأغلبيته بالتمرير تهليلا وبقمع أصوات البرلمانيين القلائل الذين أرادوا ممارسة شىء من العمل المعارض.
أما الفعل الرقابى للبرلمان، أى فيما خص اضطلاع السلطة التشريعية باختصاصها الأصيل فى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية رئيسا للجمهورية وحكومة، فعنوانه العريض هو الغياب الكامل. فالأغلبية البرلمانية تنظر هى أيضا لذاتها كهيئة معاونة لرئيس الجمهورية، ولا يدرك أعضاؤها إن فرديا أو جماعيا أهليتهم للرقابة على السلطة التنفيذية ومن ثم يتنصلون من واجبهم هذا، فأى برلمان هذا الذى يريدون الحد من صلاحياته، وتمكين رئيس الجمهورية من المزيد من السلطات فى مواجهة سطوته التشريعية والرقابية؟ وأين هى تلك النواقص فى السلطات والصلاحيات التى تعانى منها رئاسة الجمهورية فى مصر ولم تتمكن بسببها من اتخاد القرارات والسياسات اللازمة لاستقرار ونهوض البلاد؟ عن برلمان آخر غير هذا الكائن فى قلب القاهرة يتحدثون، وعن رئاسة بلد آخر بكل تأكيد.
ينتفى، إذا، المعنى وتغيب المصداقية عن الدفوع البائسة التى تجرى على ألسنة «طيور ظلام المرحلة» للترويج لتعديل دستور يصنع بالفعل نظاما سياسيا مركز قوته هو رئيس الجمهورية، وفى ظروف مصرية تدير بها شئون الحكم رئاسة مطلقة السلطات واقعا لا تراجع ولا تراقب ولا تساءل أو تحاسب. كعادتها، ليس بصخب «طيور الظلام المرحلة» سوى دليل صريح على النزوع السلطوى للحكم فى مصر وانعقاد إرادته على اقتناص المزيد من السلطات والصلاحيات لمواصلة الإدارة الانفرادية لشئون العباد والبلاد. فالحكم هو الذى يدفع طيور الظلام للترويج للتوجه البائس لتعديل الدستور، مثلما يلزمهم دوما بتبرير انتهاكات الحقوق والحريات وكافة الممارسات الاستبدادية الأخرى.