الدبلوماسية الثقافية ومأساة لبنان
سيد محمود
آخر تحديث:
الثلاثاء 18 أغسطس 2020 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
أشعر باعتزاز كبير كمواطن مصرى وأنا أتابع جهود الدبلوماسية المصرية فى لبنان، ومن الإنصاف القول إن الدولة المصرية تحركت بمسئولية قومية واضحة تجاه لبنان بعد ساعات من انفجار مرفأ بيروت. ووجهت جميع أجهزتها لدعم جهود الإغاثة الإنسانية عبر المعونات الغذائية والدوائية التى تجاوزت 250 طنا من المساعدات التى قدمتها هيئات رسمية وأهلية ومدنية مستقلة، ولا تزال المساعدات تتوالى. وستصل الأسبوع المقبل أول سفينة مصرية محملة بالزجاج والألومنيوم والمواد العازلة التى تمثل أولوية لبنانية بعد الانفجار.
وجاءت زيارة وزير الخارجية السيد سامح شكرى لتعكس دعما سياسيا واضحا للشعب اللبنانى حيث أعرب عن استعداد مصر لدعم فرق التحقيق القانونى بشأن ما حصل فى المرفأ وعرضت مصر على لبنان تأهيل المرافئ الثلاثة (بيروت، وصيدا وصور ) فضلا عن المساعدة الفنية لحل مشكلة الكهرباء وهى مشكلة مزمنة فى لبنان.
وأهم ما فى التحركات المصرية أنها انطلقت من رؤية واضحة تضع المطالب الإنسانية كأولوية ونجح السفير المصرى الدكتور ياسر علوى عبر تحركاته الواعية فى كسب احترام المجتمع اللبنانى بمختلف مكوناته واستطاع التأثير فى المجال العام هناك رغم صعوبة الوضع السياسى وتأزمه المزمن.
ومن اللافت أن جهود مصر كلها انطلقت من مراكز وعلامات لها دلالتها فى ذاكرة التعاون المشترك بين الشعبين ويلح علوى فى عمله المتواصل ليل نهار على استعمال الكثير من المعانى المرتبطة بما يسمى رأس المال الرمزى لمصر فى لبنان وهو رأس مال لا تقدر أى دولة أخرى على تقديمه أو الاستناد إليه أو حتى شراءه وخلال زيارته لمتابعة جهود الحجر الصحى فى كرنتينا بيروت ــ نوه سفيرنا الهمام بأن هذا المستشفى أنشأه إبراهيم باشا وهو شاهد عمره ١٨٠ عاما على عمق العلاقة بين البلدين.
ومعروف تاريخيا كيف تحملت مصر ومعها لبنان مسئولية النهضة العربية منذ نهاية القرن التاسع عشر وإلى الآن. وكأن قدرهما التاريخى أن يكونا أقرب إلى فاترينات عرض ومنصات إطلاق لأهم الرموز الفكرية والمواهب الإبداعية فى عالمنا العربى عبر قرن كامل.
ولأن عملية النهضة ثقافية وفكرية بالأساس فلابد من استعمال ما يعرف الآن بالدبلوماسية الثقافية التى تلعب دورا فى تعزيز قرار السياسة الخارجية للدولة سواء كان مصدرها الأفراد المستقلين أو المندمجين فى هيئات ومؤسسات أهلية أو رسمية وكل هؤلاء مطالبون بالعمل على تنظيم مبادرات ثقافية وفنية تظهر دعما إضافيا يقدم إلى لبنان فى هذا الظرف الإنسانى الحرج.
ولا ينبغى أن نحصر دور مصر فى لبنان فى حدود الدور الدبلوماسى الذى يؤدى بكفاءة لأن لبنان يتوقع منا ما لا ينتظره من غيرنا
ومن الواجب على الفنانين الذين ساعدت بيروت فى إبراز نجوميتهم أن يعملوا على تنظيم حفلات فنية يوجه إيرادها لصناديق دعم لبنان أو لمؤسسة مرسال لأن ما يحتاجه لبنان أكثر من البكاء ومن الدعم الرمزى أو من عبارات التضامن على مواقع التواصل الاجتماعى.
وإذا كانت ظروف كورونا تحول دون تنظيم هذه الحفلات على نطاق واسع فإن الإنترنت أوجد مئات الطرق التى تؤدى الغرض فيكفى لأى نجم أن يطلق مبادرة للتبرع ليدفع جمهوره فى هذا الاتجاه.
وفى نفس السياق أتصور أن هناك مؤسسات ثقافية كثيرة فى مصر ينبغى أن تعرض دعمها وبالذات المؤسسات العاملة فى مجال الترميم وصيانة المتاحف والتراث المعمارى، فقد أظهر تقرير صحفى نشرته صحيفة النهار اللبنانية مؤخرا حاجة هذا القطاع فى بيروت إلى ما يقرب من 300 مليون دولار لترميم المبانى التراثية والتاريخية التى تضررت وذلك بحسب تصريحات المندوبة الدائمة للبنان لدى منظمة التربية والعلوم والثقافة الأونيسكو سحر بعاصيرى واستندت النهار إلى تقرير أعدته مديرية الآثار التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية، تضمن تقييما أوليا للأضرار التى لحقت بما لا يقل عن 800 مبنى تضرّر جراء التفجير الضخم.
وعلى الأرض هناك حاجة ماسة إلى تعزيز البنية الهيكلية للمدينة على نحو عاجل، واتخاذ إجراءات العزل المائى اللازمة للحيلولة دون وقوع المزيد من الأضرار، فضلا عن التدابير الطارئة لحماية الحياة الثقافية فى بيروت وكلها أمور لن تقدمها الا مصر التى تملك خبرات كبيرة فى هذه المجالات آن أوان استثمارها سياسيا.