هل أنت متواضع؟!

عمرو خالد
عمرو خالد

آخر تحديث: الجمعة 18 سبتمبر 2009 - 9:49 ص بتوقيت القاهرة

أرجوك لا تجيب الآن، ولا تتسرع.

أرجوك لا تظن نفسك عالما بما فى نفسك أو بحقيقة ما أنت عليه.

أرجوك.. اعرف أولا معنى التواضع.

هناك معنى للتواضع لا أظن أن كثيرا منا يعرفونه، وهو: أن تستسلم للحق وتقبله من أى إنسان جاءك منه. الكثير من الناس يعانون من مشكلة عدم قبولهم للحق معتبرين أن الحق ما صدر عنه أو ممن يكبره سنا، لكن إذا جاءه ممن هو أصغر منه سنا أو أقل منه مكانة كان رافضا له تماما.

إذن أنا أتقبل الحق وأستسلم له من أى إنسان من الضعيف والقوى من الغنى والفقير، من الشريف والوضيع، من القريب ومن البعيد، من العدو ومن الصديق.

هناك معنى ثان للتواضع أظن أن معظمنا يعرفه، وهو: أن تخفض جناحك ــ أى تعامل الناس برفق ولين أيا كانت صفتهم. خادمهم ومخدومهم، غنيهم وفقيرهم، شريفهم ووضيعهم. تعامل البشر ــ كل البشر ــ بمنتهى العطف ومنتهى الرقة والحنان.

من أين أتيت بهذين التعريفين؟

يقول المثل العربى الجميل وبضدها تتميز الأشياء. أعرف عكس التواضع تعرف ما هو التواضع.
عكس التواضع هو التكبر. يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «التكبر بطر الحق وغمط الناس»، ما معنى
هذا الكلام الصعب؟

بطر الحق.. ألا تقبل الحق، إذن التواضع معناه قبول الحق.

غمط الناس.. أى يأتى الفقراء والبسطاء وأنت تشمخ عليهم بأنفك ترى لنفسك وضعا ومكانة فلا تسلم على هذا ولا تكلم ذاك ولا تبتسم لهم شموخا ورفعة.

هااااه.. هل أنت متواضع؟

لا أريدك أن تجيب قبل معرفة فضل التواضع:
ــ يقول النبى صلى الله عليه وسلم «ما تواضع أحد لله إلا ورفعه، ألسنا نحب كل من علت منزلته فى الدنيا وكان متواضعا والعكس تزداد بغضا لكل من علت منزلته فى الدنيا فيأنف على الناس.

ــ يقول النبى صلى الله عليه وسلم «من تواضع لله درجة، يرفعه الله درجة حتى يبلغ أعلى عليين، ومن تكبر على الله درجة، وضعه الله درجة حتى يبلغ أسفل سافلين».

ــ يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد».

ــ يقول النبى صلى الله عليه وسلم: يقول الله تبارك وتعالى «من تواضع لى هكذا ــ وظل النبى يشير بباطن كفه إلى الأرض ويهوى به إلى الأرض، ويقولون ظل يخفض كفه هكذا حتى أدناها إلى الأرض ــ رفعته هكذا وقلب باطن كفه إلى السماء حتى جعله فى السماء» أترون التصوير النبوى.

ــ يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر» اهتم بهذا الحديث جدا وراقب قلبك واسأل نفسك هل بداخلك ولو ذرة كبر على الناس، لن تدخل الجنة وقد أتيت بصلاة وصيام وزكاة وحضرت دروسا.. لا ليس بهذا فقط وهناك رواية أخرى للحديث: «لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال فرد له من كبر» فاحذروا الكبر يا جماعة.

ــ يقول الله عز وجل فى الحديث القدسى: «الكبرياء ردائى، والعزة إزارى فمن نازعنى فيهما عذبته». هل تنازع الله فى كبريائه؟

ــ يقول الله عز وجل فى كتابه العزيز الحكيم ضمن وصايا لقمان لابنه «ولا تصعر خدك للناس، ولا تمش فى الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور» الآية ــ 18 سورة لقمان ــ معنى تصعر: باللغة العامة «تلوى رقبتك»، إذن ما أصلها فى اللغة الفصحى؟ الصعر: هو مرض يصيب الإبل فى رقابها فلا تستطيع أن تستعيد وضعها مرة أخرى (لا تعتدل رقبتها بل تبقى ملتوية)، من هنا جاء التعبير القرآنى البليغ والذى يحذرك من أن تصاب بهذا المرض فلا تستطيع أن تعتدل رقبتك مرة ثانية إذا لويتها.

ــ وفى آية أخرى: «ولا تمش فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض، ولن تبلغ الجبال طولا». تواضع.. يا بن آدم تواضع فأنت لن تملك شيئا فلم تتكبر.

تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يقول الصحابة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم على أحد لا ينزع يديه حتى وإن كانت لديه مشاغل ومهام عديدة، ويقولون: «وإذا سلم سلم بكليته» أى بجسده كله يلتفت لمن يسلم عليه، «ولا يصرف وجهه عمن يسلم حتى يصرف هو وجهه عنه». «وكان يجلس حيث انتهى به المجلس»، و«كان هاشا باشا لا تلقاه إلا مبتسما»، هل نستطيع أن نضبط هذه النقاط الأربع مثل الرسول صلى الله عليه وسلم وتكون متواضعا هكذا:

1ــ إذا ما سلمت على أحد، تسلم وأنت تنظر إليه.
2 ــ عندما تسلم على أحد، لا تنزع يدك، ولا تسلم بطرف يدك فهذا من الكبر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله خيرنى بين أن أكون ملكا نبيا وأن أكون عبدا نبيا، فاخترت أن أكون عبدا نبيا» صلى الله عليه وسلم.

أحبوا النبى صلى الله عليه وسلم وتعلقوا به واشتاقوا لرؤيته ومجالسته.

جاء النبى رجل يرتعد ــ يعتقد أنه آت لمقابلة ملك الملوك ــ فقال له النبى «هون عليك فإنى لست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة». وهو اللحم المجفف ــ مثل البسطرمة ــ كانت لا تأكل اللحم الطازج.
هل فعلتها مرة حين أتاك رجل يهاب منصبك فقلت له هون عليك ما أنا إلا ابن رجل فلاح؟ بل هناك من الناس من يتمنون وقوع أى أحد تحت رحمتهم.

كان صلى الله عليه وسلم يركب الحمار مع قدرته على ركوب الخيل تواضعا لله عز وجل، كان أحيانا مخيرا بين البغل والحصان فيركب البغل تواضعا لله.

أرجو أن تفهموا كلامى بشكل صحيح فأنا لا أدعوكم لأن تقللوا من شأنكم أو تزهدوا ولكن ليس هناك مانع أن تتنازلوا مرة ابتغاء الخضوع لله وتعليم القلب الذل وعدم الكبر..

أما الآن فدعونا نسأل مرة أخرى.. هل أنت متواضع؟.



 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved