ظاهرة الأطفال بلا مأوى: گيف عالجها الآخرون؟
اميرة قطب
آخر تحديث:
الثلاثاء 18 سبتمبر 2012 - 8:15 ص
بتوقيت القاهرة
«دى كانت معلقة سمنة أبويا غلاها ودلقها على رأسى لما كان عندى 6 سنين»، قالتها ل.أ. التى لم تتجاوز عامها الـ18 وهى ترينى طبقة مشوهة بالكامل فى فروة رأسها. لكن ليس بالعنف الجسدى وحده يولد الطفل بلا مأوى. فالتفكك الأسرى والإهمال الذى يعانى منه على التوالى 60% و77% من الأطفال بلا مأوى يمهد لنا الطريق أمام انتهاكات أخرى مثل زنا المحارم والاستغلال الجنسى. وتزداد بالطبع حدة هذه الظواهر فى المناطق المهمشة التى يأتى منها 93% من هؤلاء الأطفال.
إنه الفقر مرة أخرى: فلنقف مكتوفى الأيدى إذن
هذا الخليط المركب من الفقر والإهمال والتفكك الأسرى لا يعنى أبدا أن نقف مكتوفى الأيدى أمام ظاهرة الأطفال بلا مأوى فى انتظار أن يتم القضاء على الفقر وإصلاح النفوس فى مصر. ففى دراسة أعدها الائتلاف البريطانى للجمعيات العاملة مع الأطفال بلا مأوى بهدف قياس حجم الظاهرة فى 90 دولة، صنفت مصر ضمن أكثر 30 دولة يتضاعف فيها حجم ظاهرة الأطفال بلا مأوى بشكل مقلق. لذا، فالواقع يحتم علينا العمل فى اتجاهين: أولهما هو تجفيف منابع الظاهرة من خلال منظومة سيأتى الحديث عنها لحماية الطفل من الانتهاكات وثانيهما يعمل على جمع اللبن المسكوب ومحاولة التعامل مع الأطفال بلا مأوى الحاليين.
تجفيف المنابع
ليس العنف الجسدى والإهمال والفقر حكرا على أطفال مصر. إلا أن بعض الدول سارعت بإرساء منظومة لمنع هذه الانتهاكات قبل وقوعها، وذلك بالمشاركة بين الحكومة والأفراد. وتحضرنى فى هذا المقام قصة الطفلة مارى إلين (1864/1956) التى دفعت فصولها الدرامية المشرع الأمريكى لوضع نظام كامل لحماية الطفل من الانتهاكات. فقد اضطرت أمها بعد وفاة والدها للعمل كونها العائل الوحيد للأسرة فأودعتها وهى طفلة رضيعة لدى مربية بأجر شهرى. ثم لم تعد قادرة على السداد وانقطعت زياراتها فلم تعد المربية قادرة على التكفل بمارى إلين فأودعتها إحدى دور الأيتام. ثم تبنتها إحدى الأسر قبل أن يتوفى عائلها هو الآخر لتقضى بعدها أرملته على ما تبقى من مارى إلين. إلا أن الجيران ارتابوا فيما يجرى فتوسلوا لإحدى داعيات الكنيسة المجاورة أن تتدخل لمعرفة ما يدور داخل هذا البيت. وعندما تمكنت الداعية من الدخول فى إحدى ليالى الشتاء، فوجئت بمارى إلين ملقاه بملابس رثة على أرضية غرفة باردة مظلمة وخالية إلا منها، لم تكن قد أكلت منذ عدة أيام، على
ظهرها الصغير علامات ضرب مبرح بالكرباج وتعانى من كدمات وكسور فى أنحاء متفرقة من جسدها.
ثم بدأت رحلة داعية الكنيسة للاستنجاد بالسلطات فلم يلتفت إليها أحد حتى اضطرت للاستعانة بجمعية لوقف العنف ضد الحيوان لوقف هذه المهزلة ومحاكمة أسرتها البديلة وهو ما تم. ثم بدأت بعدها قصة كفاح أخرى لمنع تكرار هذه الانتهاكات ضد أطفال آخرين بإرساء نظام «التكليف بالإبلاغ mandated reporting». ويجبر هذا النظام المشتغلين بحوالى أكثر من 20 وظيفة لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالأطفال ــ كالأطباء والإخصائيين الاجتماعيين والصيادلة ومهن أخرى ــ على الإبلاغ عن أى شكوك تساورهم فى كون أحد الأطفال الذين يتعاملون معهم قد تعرض لانتهاك، ويعاقب القانون كل مشتغل بهذه الوظائف ثبت عدم إبلاغه عن انتهاك رصده. ثم تتكفل «سلطات حماية الطفل» التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية ببحث جميع البلاغات والتحقيق فيها مع الحفاظ على سرية وهوية المبلغ ويكون ذلك فى خلال الـ24 ساعة التالية لوقوع البلاغ.
ثم تتدخل السلطات إذا ثبت وقوع الانتهاك، من خلال نظام شديد الصرامة لمعاقبة الأبوين بحرمانهم المؤقت من طفلهم وانتزاعه منهم حتى يثبت أنهما جادان فى استرداده عن طريق طلب مساعدة أحد الإخصائيين التربويين أو النفسيين. وفى هذه الأثناء يتم إيداع الطفل لدى أحد أقاربه، فإن لم يكن ذلك ممكنا، يتم إيداعه أحد دور الرعاية أو مع أحد الأسر البديلة حتى يثبت الأبوان جديتهما فى استرداده. فإن لم تثبت جديتهما، تسقط عنهما حقوق الأبوة ليقيم مع أسرة أخرى بديلة لا يشترط أن تتبناه وانما تشمله بالرعاية بعدما يثبت خلو صحيفتها الجنائية من أى شوائب وبعدما تتلقى التدريب اللازم للتعامل معه.
هو نظام صارم عملت ضمنه قرابة الثلاث سنوات، لكنه لا يخلو هو الآخر من العيوب التى من أهمها ما يمثله انتزاع الأبناء من أبويهم من عقاب للأبناء أيضا على ذنب يظلون يتساءلون متى تسامحهم السلطات عليه وهم أصلا لم يرتكبوه. وربما تكون عيوب هذا النظام موضوع لمقالات أخرى إلا أنه بشكل عام لا أعتقد أن الالتفات إليه مع تنقيته من الشوائب قد يضرنا عند التفكير فى إرساء منظومة لحماية الطفل من الانتهاكات فى مصر.
جمع اللبن المسكوب
أما بالنسبة للتعامل مع الظاهرة بشكلها الحالى ومحاولة جمع اللبن المسكوب، فبتتبع بيانات وأرقام الجمعيات العاملة مع الأطفال بلا مأوى، وجدتها تشير إلى أن 70% من الأطفال الذين تخدمهم الجمعيات يعودون مجددا إلى الشارع. لذا، فاعتقادى أن فعالية الجمعيات فى التعامل مع الأطفال بلا مأوى قد يتحسن بالآتى:
ــ تطبيق نظام «مسئول الحالات» الذى بموجبه يكون كل إخصائى مسئول عن 6 أطفال على الأقصى يوجه لهم عناية شخصية مركزة بدلا من العناية الجماعية المتبعة حاليا.
ــ إشراك أفراد المجتمع فى متابعة الحالات من خلال تدريب المتطوعين الراغبين على التعامل مع الأطفال وجعل كل متطوع مسئول عن حالتين على الأقصى مع وضع محفزات وإعفاءات ضريبية للأفراد المتطوعين فى العمل العام.
ـ نقل تبعية كل طفل بلا مأوى إلى قسم خاص بمحكمة الأسرة يتولى متابعة ملف كل طفل بشكل دورى من خلال تقرير يرد له كل 6 أشهر من الأخصائى الاجتماعى والمتطوع المسئول عن الحالة ليتم مراجعة أسلوب معالجة الحالة والتعامل معها.
ــ جعل إعادة التأهيل النفسى مكون أساسى فى التعامل مع كل حالات الأطفال بلا مأوى.