التجربة الهولندية
أحمد شكري رشاد
آخر تحديث:
الأحد 19 سبتمبر 2021 - 11:28 ص
بتوقيت القاهرة
حديثا نشر باحثون من جامعة أكسفورد بحثهم عن تأثير إغلاق المدارس فى هولندا لمدة 8 أسابيع على أداء الطلبة ومستوى تحصيلهم. هولندا دولة غنية وتتمتع بمستوى معيشة مرتفع مع انتشار واسع للإنترنت بين السكان ولديها واحد من أفضل نظم التعليم فى العالم. كما يتوفر للطلبة الأجهزة الإلكترونية للتعلم عن بعد. ومن ثم كل عناصر النجاح متوفرة فى هولندا لإنجاح تجربة التعلم عن بعد فى ظل وباء الكورونا. بالرغم من ذلك كانت نتائج الدراسة صادمة بكل المقاييس.
قام الباحثون بتحليل نتائج الامتحانات لآلاف الطلبة فى المرحلة الابتدائية (من سن 8 لـ 11 سنة) فى الرياضيات والقراءة والكتابة قبل وبعد إغلاق المدارس ومقارنتها مع نتائج الطلبة فى السنوات السابقة (عصر ما قبل الكورونا). ما اكتشفه الباحثون أنه على الرغم من كل الظروف المواتية لتجربة التعلم عن بعد فى هولندا، فإن النتيجة على مستوى تحصيل أم كانت ضعيفة جدا أو صفر على مستوى التعلم والتحصيل!، تلك النتيجة تعتبر محبطة جدا فى بلد متقدم مثل هولندا. ويدعو المرء للتساؤل حول فعالية التعليم عن بعد فى الدول الفقيرة والنامية.
من المعروف أن قدرة المخ البشرى على التعلم واكتساب المعرفة تكون فى أعلى نقطة فى سن الطفولة وتتآكل تدريجيا مع ازدياد العمر. وكلما زاد العمر زاد المجهود اللازم للتعلم واكتساب مهارات جديدة. فبالتالى وللأسف إن تأثير الكورونا على البشرية ليس فقط مقتصرا على عدد الإصابات والوفيات من جراء الفيروس اللعين ولكن سيمتد إلى عملية بناء رأس المال البشرى (المهارات الإنتاجية والإبداعية التى يتمتع بها الإنسان) سوف يؤثر على جيل من الأطفال حول العالم وهم فى قمة استعدادهم على التعلم. وبالتالى إن الإرث الذى خلفه الوباء على رأس المال البشرى شديد الخطورة وسيعيش معنا للأجيال. وما لمسته خلال إجازة الصيف، أن بعض الأطفال فى سن الـ 7 و8 سنوات فى مصر يجدون صعوبة فى القراءة!
فى دراسة حديثة مهمة قام بها البنك الدولى عن جودة التعليم حول العالم بالمقارنة مع أفضل دولة فى العالم فى التعليم والتى قد تكون مفاجئة للبعض. ليست أمريكا ولا ألمانيا بل سنغافورة الجزيرة الصغيرة فى قارة آسيا التى تمتلك أفضل نظام مدرسى وتخرج أفضل طلبة فى العالم. كانت نتائج مصر ليست مرضية. فحسب تقديرات البنك الدولى إن التعليم المدرسى الذى يتكون من 12 سنة دراسية فى مصر يعادل فقط 6 سنوات ونصف من التعليم المدرسى فى سنغافورة. هذا يعنى أن ما يتعلمه الطالب أو الطالبة فى مصر فى 12 سنة دراسية يعادل ما يحصله الطالب أو الطالبة فى 6 سنوات ونصف فى سنغافورة. بينما كانت أفضل نتيجة عربية من حيث الجودة فى دولة الإمارات بحوالى 9 سنوات ونصف بالمقارنة بسنغافورة. بينما كانت نتائج بعض الدول العربية فى حدود الـ 4 سنوات.
فى ضوء نتائج التجربة الهولندية، يتضح أن إغلاق المدارس ثمنه غالٍ على مستوى التنمية البشرية وآثاره الاقتصادية المستقبلية. وأعتقد أنه لا يمكن الاعتماد على نظام التعلم عن بعد كنظام بديل عن التعليم الحضورى ولكن كنظام مكمل لنظام الحضورى. إن فتح المدارس وإعادة الطلبة للمدارس يجب أن تكون أولوية للحفاظ على رأس المال البشرى الذى هو أساس عملية التنمية الاقتصادية.
أستاذ الاقتصاد المساعد وزميل بحوث بمنتدى البحوث الاقتصادية