طلبات اللجوء.. إسرائيل تقترح المخاطرة بالحياة مقابل الموافقة

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 7:45 م بتوقيت القاهرة

يبدو أن سكان قطاع غزة المدنيين ليسوا الوحيدين الذين يشكلون، بالنسبة إلى الجيش، مخزونا لاستخدامهم فى أهداف قتالية. يوجد لديه أيضا قوة دعم مؤلفة من طالبى اللجوء الأفارقة المقيمين بإسرائيل، الذين يستغلهم أيضا أفراد مجهولون من الأجهزة الأمنية، للمساهمة فى الجهد الحربى الذى تخوضه إسرائيل.

 

الصهيونية هى الفكرة المؤسِّسة لإقامة إسرائيل ووجودها، وبحسبها، للشعب اليهودى فى دولة إسرائيل الحق فى تقرير المصير القومى. هذا أساس مبرَّر جدا، وبصورة خاصة فى ضوء التاريخ اليهودى. واعترف به المجتمع الدولى ــ ما دام لا ينطوى، فى المقابل، على نزع حقّ الشعب الفلسطينى فى دولة إلى جانب إسرائيل.
لكن بمرور الوقت، وخصوصا بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وتحويلهما إلى مواقع انتشار يهودى على حساب السكان الذين يعيشون فيهما، برزت نكهة طفيفة من العنصرية فى تحقيق الفكرة. هذه النكهة تحولت إلى رائحة قوية مع سَن قانون أساس «القومية» الذى يعبّر عن التفوق اليهودى بوضوح. لم تفهم المحكمة العليا المعنى الكامل والإسقاطات السلبية التى ستترتب على هذه التغييرات التى تبدو رمزية. وفى جميع الأحوال، بقى القانون على حاله، ونجح قاضٍ واحد فقط، عربى، هو القاضى جورج قرا، بعرض تحليل قانونى لائق، وبحسبه، يجب إلغاء القانون. هذه الرائحة السيئة والقوية باتت أكثر قوةً لدرجة أن ما سبقها كان مجرد عطور، بعد أن جرى منح إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وأصدقائهم مواقع قوة مصيرية يستطيعون استغلالها إلى أقصى حد ممكن ــ بأفضل صورة، بالنسبة إليهم، وبأسوأ صورة، بالنسبة إلينا ــ ويستغلونها.
كان تعامُل إسرائيل مع قضية طالبى اللجوء عنصريا منذ البداية، وبصورة خاصة بعد أن تبين أنه لا توجد أعداد كبيرة، بعكس التخويف الذى جرى. التعامل مع طالبى اللجوء على أنهم سرطان، والادعاءات الكاذبة بشأن أنهم ينشرون الأمراض، وخطر على أمن الدولة، عبارة عن تحريض عنصرى كلاسيكى. وعلى الرغم من الالتزامات التى تقع على الدولة، والنابعة من القانون الدولى والقانون الإسرائيلى، فإن إسرائيل امتنعت من حسم قضية طالبى اللجوء بصورة منهجية. يسمح لها عدم الحسم هذا بالتفاخر بالأعداد الضئيلة جدا من طالبى اللجوء التى جرت المصادقة عليها ــ وهو ما يُستغل أيضا للقول إن طالبى اللجوء الآخرين لا يحقّ لهم اللجوء. وبسبب عدم الحسم هذا، تمتنع من إصدار قرار، ولو كان سلبيا، بشأن الذين لا يستحقون اللجوء.
كان يمكن التوصل إلى حل لائق باتفاق بين الحكومة والأمم المتحدة، إلّا أن مَن يسيطر على إسرائيل ليست قياداتهم، إنما مجموعة مؤثرين دفعت ردودهم السلبية رئيس الحكومة إلى التراجع عن الموافقة على هذه القضية. نتنياهو ليس قائدا يقود فى اتجاه إيجاد حل للمشاكل، إنما هو قائد ضعيف تقوده مجموعات شعبوية محرّضة. فى هذه الحالة، إن هؤلاء المؤثرين، أكثر منه، هم القوة الكامنة فى التحريض العنصرى، التى يمكن أن تقود إلى حالة عدم الحسم، والتى يمكن من خلال استغلالها جيدا الوصول إلى الكنيست أيضا.
حقيقة أن كثيرين من الإسرائيليين والإسرائيليات هم من اللاجئين، أو أحفاد اللاجئين (وبصراحة، أنا أحدهم)، وعانوا بسبب القوميين العنصريين وأشكالهم (وهو ما كان أحد الأسباب المركزية لمعاهدة اللاجئين فى سنة 1951)، لم تساعد. تبلورت هذه السياسة من خلال فكرة الدولة اليهودية النقية، نقية من غير اليهود. من الواضح أن لون البشرة الأسود كان أحد أسباب رفض طالبى اللجوء (والشاهد عليه التعامل مع يهود إثيوبيا)، لكن أيضا، واجه الأوكرانيون من غير اليهود (وهم لا يحق لهم اللجوء، استنادا إلى قانون العودة)، الذين هربوا من الحرب، تعاملا مُذلا وترحيلا.
عندما تتحول السياسة غير القانونية إلى أداة ضغط تُستخدم ضد الأشخاص الذين حوّلتهم السلطة إلى تابعين لنعمها ــ حتى لو لم تكن جريمة جنائية، فإنها سياسة فاسدة. إنها تسمح بإقناع طالبى اللجوء بالخدمة فى الجيش. إذا كان المقصود هؤلاء الذين يحق لهم الحصول على اللجوء، فإن التعويض المقدم لهم فى مقابل خدمتهم العسكرية ليس تعويضا حقيقيا على الإطلاق. هم يعدونهم بتقديم أقل مما يستحقونه.
ما دامت الحكومة الحالية لا تزال حاكمة، وما دام هذا الائتلاف لا يزال موجودا ــ ستُحقن شرايين المجتمع الإسرائيلى بحقن دائمة من السم العنصرى. التخوف الكبير هو من التغييرات العميقة التى تجرى داخل المجتمع، من دون أن يكون واعيا بها كليا.
حقيقة أنه فى موازاة هذه الخطوة، يبشروننا بنضوج قانون التهرب من الخدمة العسكرية، الذى سيعفى طلاب المدارس الدينية الحريديم من الخدمة العسكرية، أمور كلها تشير إلى عمق الأزمة التى وصلنا إليها. كان من الأفضل للمستشارين القانونيين مطالبة الحكومة بتطبيق قرارات المحكمة العليا بهذا الشأن، بدلاً من تعاوُنهم مع خطوات مستنكَرة كهذه.
كلما كانت فترة حُكم بن غفير وسموتريتش أطول فى الضفة الغربية كلما كان من غير الممكن ضمان أن تكون قراراتهم موضوعية وغير متحيزة، شخصيا وسياسيا وحزبيا، وهو ما سيؤدى إلى تراجُع فى الدافع إلى الخدمة فى الجيش، وأيضا سيتراجع الاستعداد للمخاطرة بالحياة، لأنها ستكون غير مبرَّرة. وإذا استمر هذا، فلن يكون بعيدا اليوم الذى سنسمع فيه عن مرتزقة مسئولين عن أمن إسرائيل.

مردخاى كرمنيتسر
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved