فلتمرره على عقلك أولا


رضوى أسامة

آخر تحديث: الثلاثاء 18 أكتوبر 2011 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

بمجرد دخولها إلى الحجرة وجلوسها وعرضها لمشكلتها سألتنى بشكل مفاجئ عن ديانتى، أربكنى التساؤل فى الحقيقة، لكنى على كل أجبتها بأنى مسلمة، أدهشنى أنها تنهدت وحمدت الله، وأدهشنى أكثر أنها مسيحية، ربما بعد قليل فهمت لماذا حدث ذلك وخاصة أنها طلبت منى عدم ذكر الله نهائيا فى الجلسات، فهى غاضبة منه بشدة وغير مستعدة نهائيا أن يعظها أحدهم ويؤكد عليها أن الله عظيم.

 

كان ذلك فى الجلسة الأولى، فى الجلستين التاليتين تبين لى أن لديها مشاكل فى الذكاء الاجتماعى وطريقة التعبير عن المشاعر، وذلك كما أكدت لى، ما أدهشنى بحق أنها تشاجرت مع زميلتها المسلمة على إثر الأحداث الماضية من قتل لمسيحيين أمام ماسبيرو، اتهمتها صديقتها بالكفر واتهمتها هى بالتخلف، وتطور الأمر إلى أن تبادلتا شتائم وصفتها هى بأنها غير لائقة.

 

أكثر ما أزعجنى هو كيف يمكن لهذه العلاقة بين صديقتين تبادلتا لتوهما وابلا من الشتائم أن تستمر، كيف يمكننى أن أرى هذه الصديقة مرة أخرى ونتفاعل بشكل عادى، العجيب أن كلتيهما ليستا متدينتين، والاثنتان انساقتا وراء الأحداث دون تفكير وعبرتا بعنف عمّا تم شحنهما به.

 

لم تتذكرا صداقتهما القديمة ولا مواقفهما تجاه بعضهما، كل ما تذكرتاه هو تلك الصور التى أذاعتها القنوات وشاشات الإنترنت، كلتاهما كانتا ترى الأخرى عدوا لها كما أكد الإعلام، دون أن تسأل نفسها سؤالا واحدا: هل هذه الصديقة عدوة لها بالفعل؟

 

حقيقة أنا لا أتحدث عمّا حدث فى ماسبيرو فقط، أنا أتحدث بشكل عام عن الشحن ضد أى من الطرفين، والذى أرى أن الإعلام مسئول رئيسى وأساسى عنه، فالإعلام يؤثر على من يستمعون إليه دون أى محاولة لنقده، فقط أن تستمع إلى المعلومات وتدخل إلى ذهنك دون أى محاولة لمناقشتها، وكأنها تخاطب مشاعرك فقط.

 

أنت أيضا مسئول عن مواقفك مثل الإعلام السلبى بالضبط، عندما سمعت عن الأحداث لأول مرة كانت عن طريق التليفزيون المصرى، لكنى ظللت طيلة اللية أتابع الأخبار من مصادر مختلفة، عبر الإنترنت والتليفزيون.

 

كنت أرى إعلاميين مختلفين يستفزان مشاعر الأفراد بشدة، وهما الإعلام الرسمى والإعلام المسيحى، وكلاهما مثلا خطرا جسيما وجعلا مشاعر الناس متأججة.

 

الأمر بالفعل يتخطى حدثا واحدا بل هو نمط تفكير يتميز به مجموعة من الناس، راجع مواقفك ومواقف من حولك ستجد أن هناك أناسا دوما يتأثرون بما يسمعون، فمثلا من تأثروا لهذا الموضوع وصدقوا أن المسيحيين يضربون فى الجيش هم من صدقوا أن من كانوا فى التحرير خلال الثورة مجرد شباب مستأجرين وصدقوا لقب «شباب كنتاكى».

 

ما الذى يحدث داخلك بعد أن تتقبل الخبر والمعلومة، هل تنفذ إلى ذهنك لتناقشها أم تصدقها؟ هل تبحث عن مصادر أخرى لها تدعمها أو تدحضها؟

 

الأمر عن جد خطير، ما يحدث من فتنة طائفية هذه الأيام سببه الإعلام ونمط تفكير البشر وبعض السلوكيات غير المسئولة.

 

لى صديقة مسيحية عزيزة جدا، بمجرد سماعها للأخبار وبعد ليلة كاملة تنقلت فيها عبر الإعلام الرسمى والمسيحى صرخت صباحا فى وجهى متهمة إياى بقتل إخوتها، بالطبع لم أفهم لماذا قتلت أخواتها وأنا لم يسبق لى دخول الجيش مطلقا وليس لى أى أقارب يعملون بالجيش وليست لى أيا علاقة به نهائيا، بالإضافة لأنها لا تعرف أى من الشهداء.

 

الأحكام فى هذه المواقف ألا تجادل الشخص فيما أعتقد فيه، وما تم شحنه من أشياء صدقها، فما فعلته فى هذا الموقف أننى استمتعت إليها وقدرت حزنها على الضحايا، وكنت أعلم جيدا أنها بمجرد أن تهدأ ستسترجع أنى صديقتها المفضلة التى تحكى لها أسرارها وأننا سنستكمل صداقتنا.. وهو ما حدث فى اليوم التالى مباشرة.

 

نحن ننسى الأفراد وعلاقتنا الحقيقية بهم، والتفكير فيهم وننسى أن الإعلام الرسمى كثيرا ما ضحك علينا، فمن كان فى التحرير مثلا هو جارك وابنه وابن خالتك ذهب إلى هناك وآخرون مثله، هل ابن خالك عميل؟ أنت تعرفه جيدا. أليس هذا الإعلام هو نفسه من ضخم من انجازات مبارك وضحك عليك بها طيلة سنوات عمرك وهو نفسه أيضا الذى لم يذكر اسم مبارك فى احتفالات أكتوبر هذا العام؟

 

فكر فى علاقتك بالمسيحيين والمسلمين الذين تعرفهم قبل كل هذا الهراء الذى يحدث، أظن أنك تتذكر ليلة 29 يناير وأنت تشاركهم الخوف نفسه من هجوم البلطجية على بيتكما فى ذات العمارة، كنتما تواجهان خطرا واحدا.

 

لماذا ننسى كل هذه الأشياء دفعة واحدة وننفعل بما نراه ونصدقه ونتخذ مواقف عدوانية وحادة دون أن نراجعها؟

 

أكرر أنك ستصبح مسئولا مع الإعلام فى تشويه ما يحدث، إذا لم تمرر الحقيقة على عقلك أولا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved