خدمة سلطان وخدمة سلطوية بديلة فى الانتظار

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الأحد 18 أكتوبر 2015 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا عليكم، فلستم أنتم من أخاطب بحديث المسطرة الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية الواحدة.

لا عليكم، فأنتم بين ضالع فى التمكين للسلطوية وحكم الفرد، وبين غارق فى دفاع عن سلطوية بديلة يزعم متهافتا احتكار الحقيقة المطلقة وحمل صكوك النقاء الثورى، وبين متورط فى معايير مزدوجة تجعله يتبنى الشىء ونقيضه وتعجزه دوما عن مغادرة السرب، أى سرب.

لا عليكم، فأنتم على صراعاتكم الحادة تتشابهون بشدة. تغيبون العقل. تمتهنون المعلومة. تسفهون الرأى الآخر. ترفضون الاختلاف، وتشوهون المختلفين معكم. تذبحون فضيلتى التفكير والتسامح على محراب الرأى الواحد، وبفعل ضجيج أصواتكم المرتفعة التى لا تأتى أبدا بمعنى أو مضمون. تغتالون الإنسانية، إما بالتماهى مع الادعاءات الزائفة «للبطل المنقذ» وآلته القمعية، وإما بادعاء بطولة ثورية تنزع عنها المصداقية لكونها تستنكف المراجعة والنقد الذاتى والبحث الموضوعى فى أسباب الإخفاق، أو بالاستعلاء على المغردين خارج السرب واستبعاد أفكارهم وآرائهم دون نقاش وتوظيف الهجوم عليهم للالتحاق «المفيد» بخدمة البطل المنقذ المتحول سريعا إلى سلطان أو للالتحاق «المفيد» أحيانا بسرب مناوئيه أو للتضخيم المريض للذات وتقديم«الخدمات الحنجورية» لعارضى المقابل الأفضل.

لا عليكم، فأنتم جميعا تعتاشون على الأوضاع الرديئة الراهنة. تعتاشون على الاستقطاب، ولا تفكرون فى شروط تجاوزه لإخراج الوطن من أزمته. تعتاشون على منع تداول الحقائق والمعلومات، لكى تزيفوا الوعى تارة لمصلحة السلطوية الحاكمة واخرى لمصلحة السلطوية البديلة فى الانتظار. تعتاشون على تغييب العقل الذى يمكنكم من اختزال الناس فى قطيع «المع» وقطيع «الضد»، وتجنب مساءلة ومحاسبة من تخدمون. تعتاشون على المعايير المزدوجة، فالحرية تزعمون أنها «غير مسبوقة» فى بلادنا ثم تصنفون المظالم والانتهاكات الموثقة كادعاءات خونة ومتآمرين فى الداخل والخارج، أو تقررون أن الديمقراطية ضرورية لمصر شأنها شأن صون حقوق الإنسان ثم تتورطون على الرغم من حنجوريتكم المعهودة فى الصمت بشأن الديمقراطية وضروراتها فى بلاد مراكز الثروة الخليجية، أو تسجلون أن الثورة الشعبية هى ثورة فى سوريا بينما هى خيانة فى اليمن لكون مراكز الثروة الخليجية تشن على الأخير حربها العبثية وتتورط فى تفريغ ثورته من معانيها، أو تدينون جرائم قتل المدنيين فى فلسطين على يد المحتل والمستوطن الإسرائيلى وتمتنعون عن إدانة جرائم قتل المدنيين الإسرائيليين وهم يظلون على مدنيتهم بالرغم من فظائع الاحتلال والاستيطان. تعتاشون على الجهل، فتعجزون عن طرح أفكار وآراء من شأنها إعادة مصر إلى لحظة البداية الجديدة للمواطن والمجتمع والدولة التى أضعناها جميعا فى 11 فبراير 2011، وتقصرون دوركم على كيل الاتهامات من طائفة خدمة السلطان إلى طائفة السلطوية البديلة وعلى نحو أكثر بؤسا من طائفتيكم باتجاه المغردين خارج السرب.

لا عليكم، فأنا لا أخاطبكم أنتم حين أكتب عن جمهورية الخوف التى تديرها السلطوية ومؤسساتها الأمنية وتراكم مظالم وانتهاكات كارثية تستأهل وحدها وصف «غير المسبوقة»، ولا حين أشير إلى معايير الغرب المزدوجة فى التعامل مع قضية الديمقراطية فى بلاد العرب، ولا حين أتناول المسطرة الأخلاقية والإنسانية والمجتمعية الواحدة. بل أحاور من اقترب من السلطوية مبررا وداعما، ثم استفاق وراجع وابتعد عن مسارات الملتحقين الراغبين فى الحماية والعوائد (برلمانية وغير برلمانية)، واعترف بخطايا «المرحلة» وعاد إلى الدفاع عن العدل والحق والحرية. وأبحث عن نقاش مفتوح مع رافضى السلطوية الذين زج بهم إلى غياهب السجون أو أجبروا على حياة المنافى، ويرفضون التورط فى زيف أختام النقاء الثورى وضجيج الأصوات المرتفعة على الرغم من قسوة القمع الذى يعانون منه، ويعترفون بخطايا ما قبل 2013 ويجددون دون معايير مزدوجة فهمهم للفكرة الديمقراطية وشروطها. وأسعى إلى تواصل إنسانى وحر وموضوعى مع كل راغب فى العودة بمصر إلى مسار تحول ديمقراطى وتنمية مستدامة نتوافق عليه دون إقصاء، معترفا أيضا بأخطائى الكثيرة.

أما أنتم، فلا عليكم بكل هذا. أترككم هكذا فى رداءتكم وضجيجكم، إلى الأبد خدمة سلطان وخدمة سلطوية بديلة فى الانتظار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved