ذكرى ليلة حب
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 18 أكتوبر 2019 - 10:50 م
بتوقيت القاهرة
هذا النوع من الأفلام انتهى فى حياتنا إلى الأبد، كانت هذه لأفلام تملأ دور العرض فى سوريا، ومصر ولبنان، وبلاد أخرى لمدة تقترب من السنوات العشر، إنها افلام مصنوعة فى الشام، العاملون بها جاءوا من أوطان عربية عديدة، كل منهم يحتفظ بجنسيته ولكنته، هذه الأفلام صنعتها السياسة دون قصد، ولا أتصور أن ظروفها ستتكرر، لذا فقد اختفت مع الكثيرين من شاركوا فيها.
من أبرز هذه الأعمال الفيلم السورى «ذكرى ليلة حب» الذى أخرجه سيف الدين شوكت فى عام 1972
وهو الفيلم الذى كان أغلب أبطاله وبالعاملين به من المصريين، ومنهم المخرج نفسه ونيللى وصلاح ذو الفقار ومريم فخر الدين، التى جسدت دور الأخت دولت، ومن سوريا كان هناك النجوم رفيق سبيعى زياد مولوى، ومن المهم التعرف على المخرج سيف الدين شوكت ذى الأصل المجرى الذى عمل طويلا فى السينما المصرية، ومن بين أفلامه الشهيرة «عنتر ولبلب» و«حب فى حب»، كما كتب الكثير من السيناريوهات، وعمل لفترة فى لبنان والشام، ومن أفلامه الشهيرة «طريق بلا نهاية» الذى تحول أيضا إلى سيناريو أخرجه محمد راضى فى بداية الثمانينيات إلى فيلم «الجحيم»، ومن الواضح أنه كان قد قرأ الكثير من الروايات العالمية، واقتبسها فى الأفلام التى أخرجها دون أن يذكر ابدا مصادر هذه الأفلام، ومنها «ذكرى ليلة حب» وهو فيلم بوليسى عائلى تبدو الجريمة فيه محبوكة تماما، وتدور الأحداث بين حلب ودمشق وطرطوس، والمقصود بفيلم عائلى هنا أن الجريمة تتم غالبا فى محيط الاسرة الا قليلا، فالموظف أنور متزوج من ليلى المريضة منذ خمس سنوات، وفى المشهد الأول من الفيلم فإن هناك حفلا عائليا يحضره الأصدقاء، وهم ايضا من زملاء العمل، ونتعرف على عقيد الشرطة طلعت، الذى سيتولى التحقيق فى الجريمة فيما بعد، حتى الشاهدان فهما شاب صغير وحبيبته، كل منهما ابن لصديق من المدعوين، أما الأخت دولت فهى تعيش فى دار أخيها، دون أن نعرف أى شىء عن ماضيها سوى أنها ارملة منذ ثلاث سنوات، حتى الراقصة كاميليا التى تجسدها نبيلة عبيد فهى نتاج علاقة قديمة آتية من الماضي، وهو يقابلها فى أثناء مهمة وظيفية إلى الشام، والمرأة متعددة العلاقات أتت من الأمس لتخبر حبيبها أنها كانت المرأة الوحيدة فى حياته، وأنها لم تنسه قط.. ولعل هناك تشابها مع قصة المخرج الذى عاد ليلاقى حبيبته القديمة فى فيلم «ليلة حب أخيرة».
نبيلة عبيد ترقص هنا بالصورة التى اشرنا إليها، فالرقص عملها، ورغم كثرة الرجال فى حياتها فهى تلح على حبيب الأمس أن تتجدد الأيام الخوالى، إلا انه يظل وفيا، وتتكرر المحاولات خلال الاسابيع الثلاثة التى قضاها فى الشام، وفى ليلة عودته إلى مدينته، يفاجأ أن الراقصة تدخل غرفته بالفندق، بعد أن حاول شخص غامض مهاجمتها فى غرفتها، فى مشهد غامض لا تفسير له بالمرة سوى أنه القاتل الحقيقى كما سنعرف فى نهاية الأحداث، وفى أثناء وجود الراقصة فى غرفة حبيبها فإنها تستعمل الحمام وتبدو بالغة الاثارة أكثر من جميع الأفلام التى عملت بها الممثلة، ويضعف الحبيب، ويترك ثمرته فى بطن المرأة.
لعل التفاصيل الدقيقة فى الفيلم تحول دون أن نحكى القصة، فسوف يجد الزوج نفسه يقوم بقتل الراقصة الحامل، ويضطر أن يضعها فى صندوق، يرمى به إلى النهر، دون ان يدرى أن الشابين الصغيرين المتحابين شهدا على ما حدث. وكما اشرنا فإن اتقان السيناريو جعل جميع شخصيات الفيلم تلعب دورا فى الاحداث، سواء العقيد طلعت الذى وجد نفسه يتولى التحقيق فى الجريمة، بينما القاتل يلاعبه الطاولة، حتى زميله فى العمل الذى يستفيد من كذبات أنور للاختلاء بحبيته بعيدا عن أعين زوجته، وايضا الاخت دولت التى تكشف أمر الصندوق الغارق، وتكون الزوجة ليلى هى آخر من يعلم، وكما نرى فإن كاميليا اختفت من الأحداث بعد مصرعها، إلا أن اختفاء الشخصية الرئيسة تم تعويضها أن نرى الاخت التوأم لكاميليا تظهر بشكل غامض متكرر، ما أثار الحيرة، والسبب بالطبع الا تختفى الممثلة من الفيلم، وسوف نكتشف فى النهاية أن أنور لم يكن القاتل، وأن الفاعل هو أحد الراغبين فى كاميليا وعرض عليها الزواج وهو الذى حاول اقتحام غرفتها فهربت منه إلى غرفة حبيبها كى تنتهى الاحداث بشكل يرضى مشاعر المتفرح، وقد بدا السيناريو متذبذبا وهو يفاجئ المتفرح ببعض الاحداث التى ما تلبث أن تنقشع، ومنها أن الزوجة ليلى قد فارقت الحياة، ثم إذا بالأمر أكذوبة.
يمثل الفيلم مرحلة ما من المسيرة السينمائية للفنانة التى وجدت نفسها تعمل بدون انقطاع بين دمشق وبيروت والقاهرة.. وفى الفيلم مثلا، وقد أشرنا انه عائلى، اختلطت اللهجة الشامية بالمصرية دون أى اشارة إلى جنسية الشخصيات أو الهوية فالحميع يتكلم بلهحته وإن كنا نرى أن اسرة أنور تتكلم معا بالعامية المصرية، سواء زوجته ليلى، أو أخته دولت، وكذلك العائلاتان السوريتان، مثل عائلة طلعت حيث جسدت هالة شوكت دور الزوجة، أما منى واصف فقد قامت بدور بهيجة، وقام زياد مولوى بدور زوجها، ومن المعروف أن أغلب نجوم ونجمات السينما المصرية عملوا فى سينما لبنان وسوريا، ولم يحدث العكس، ومنهم جميع ابطال هذا الفيلم من سوريا، وكانت الممنوعات الرقابية أقل من مثيلتها فى القاهرة، وكانت الفرصة ذهبية كى تتخفف الممثلات فى ملابسهن، ولعل سيف الدين شوكت كان الأكثر جرأة فى افلام منها «طريق بلا نهاية»، والسيناريو قى الفيلم اقل تحفظا من السيناريو الذى تم اخراحه باسم «الجحيم»، كما نرى فإن المخرج كان يميل إلى الاعمال البوليسبة الاجتماعية، وكما نقل مكان أحداث «طريق بلا نهاية» إلى تركيا ومنطقة البسيفور جعل أحداث «الجحيم» تدور بين فنادق القاهرة ومكان ريفى بعيدا عن العاصمة، وفى «ذكرى ليلة حب» فإن الأماكن كانت بالغة الاتساع بين العديد من المدن، ومن الواضح أن المخرج ــ كاتب السيناريو قد تأثر بمشاهد من فيلم «رجل فى النافذة» لفريتز لانج 1947، مثل الجريمة العائلية وأن هناك صداقة تربط بين ضابط المباحث الذى يتولى التحقيق وبين الاستاذ الجامعى القاتل، ما يجعل المجرم أبعد الناس عن مواطن الشبهات، ومن هنا يأتى التوتر والترقب عند المشاهدة.