بناء سردية محلية لانتقال عادل للطاقة.. الابتكار كجزء جوهرى

نبيل الهادي
نبيل الهادي

آخر تحديث: الجمعة 18 أكتوبر 2024 - 7:15 ص بتوقيت القاهرة

يمكن النظر لانتقال الطاقة فى مدينة القصير كرافعة لتحول متجدد لمنظومات أخرى، وخاصة الماء والطعام والتنقل والمخلفات. وهذا مهم للغاية للمدينة ولسكانها وربما لباقى المدن المصرية. لكن كيف يمكن تحقيق هذا الانتقال فى ظل التحديات الكبيرة التى تواجهه، ومنها التمويل وتوطين الابتكارات وإشراك المجتمع بصورة فعالة.. وغيرها؟

حاولت فى خريف العام الماضى، وربيع هذا العام مع طالباتى وطلابى فى المدينة المصرية ومشروع التنمية العمرانية الإجابة على هذا السؤال. وكانت الإجابة هى تقسيم عملية التحول تلك إلى ثلاث مراحل:

الأولى، يتم فيها التركيز على المشروعات الرائدة لاختبار وتطوير الابتكارات المحلية التى يتطلبها هذا الانتقال. ومن الأفضل لتلك المشروعات الرائدة أن تتنوع وتشكل رابطا فيما بينها بحيث إنها فى نهاية فترة اختبارها تكون كونت صورة مصغرة عما نحن بصدده. اقترحنا لتشجيع المجتمع المحلى على الاهتمام والمشاركة فى تلك المرحلة الأولية أن تكون المبانى العامة مثل، المدارس والمساجد والمبانى الأخرى، هى أماكن التجارب حتى نضمن اطلاعا مباشرا للمجتمع عليها ومراقبتها وإشراكه فى المعارف الخاصة بها أولا بأول؛ بحيث مع نهاية مدة التجربة، والتى من المتوقع أن تكون فى إطار زمنى ما يقارب الثلاث سنوات، يكون أفراد المجتمع قد اكتسبوا معرفة مباشرة عن تلك التجارب، وما يمكنها أن تقدمه لهم فى حال نجاحها ما يجعلها مؤهلة للتوسع على نطاق أكبر وبصورة تضمن استدامتها.

وفى مدينة القصير يمكن أن نضم جزءا من أرض شركة الفوسفات لعمل بعض المشروعات الأولية التى تحتاج مساحة أكبر من تلك التى توفرها المبانى العامة، وخاصة التجارب الخاصة بمشروعات الطاقة الشمسية التى تستخدم المرايا والمشروعات التى تعتمد على مياه البحر لرى المزروعات، وأيضا تلك التى تعمل على إنتاج الطحالب البحرية الكبيرة وتحولها إلى طعام للأسماك ويتم تربيتها فى أحواض على البر. يمكن لهذه التجارب أن تكون نواة لمركز بحثى وتعليمى فى أرض الشركة يخدم ليس فقط مدينة القصير ولكن منطقة البحر الأحمر ككل. ولأن تلك المشروعات الرائدة هى فى طبيعتها صغيرة لكنها تنطوى على مخاطر أكبر، فمن المقترح أن تتولى تمويلها الحكومة بالشراكة مع صناديق التمويل الدولية الخاصة بالتحول الأخضر والاقتصاد الدائرى.

مسودة أولية لإعادة استخدام أرض شركة الفوسفات بحيث يكون جزءا منها «أرض الابتكارات» بالإضافة لإعادة استخدام المبانى القائمة واستحداث مبانٍ أخرى لتحويلها مرة أخرى للمحرك للنشاط الاقتصادى مع الحفاظ على البيئة الطبيعية ودعمها. المصدر نبيل الهادى

 

أما المرحلة الثانية فهى التى تعمل على تحويل المشروعات الأولية الناجحة إلى نطاق تجارى متوسط. وقد تتطلب تلك المرحلة شراكات مع القطاع الخاص المحلى أو الإقليمى لتوفير التمويل اللازم، وستحتاج لدعم استمرار تطوير التقنيات المستخدمة فى المشروعات الرائدة. نتوقع أن تستمر تلك المرحلة ما يقارب الخمس سنوات ونأمل فى إطارها تحقيق ما يقارب من ثلث متطلبات التحول، وهو ما يوفر قوة الدفع اللازمة للانتقال للمرحلة الأخيرة، والتى تستهدف تعميم تلك المشروعات التى تركز على التحول المتجدد للطاقة والعلاقة مع منظومات الماء والطعام والتنقل، ويمكن لتلك المرحلة أن تستغرق ما يقارب العشر سنوات.

سيحتاج هذا السيناريو إلى دراسة أكثر دقة مع تحديد للمشروعات بصورة تسمح بقياس ما إذا كانت ستنجح فى تحقيق الأهداف التى تلبى المسئولية المحلية فى إطار النصيب العادل لمصر. لكن هذا أيضا سيمكننا من التخطيط للمستقبل بصورة يمكن معها مراجعة مدى نجاح الخطوات من عدمها مع القدرة على التدخل فى حالة الخروج عن المسار المطلوب. ولكن هذا السيناريو سيضعنا على المسار السليم لتحقيق حياة طيبة لمجتمعاتنا المحلية مع القدرة على مساندة المجتمعات الأخرى المشابهة لحالتنا، وهم كثر.

التحول المقترح يعتمد على العديد من الابتكارات المحلية، والتى أعرف أن بعضها موجود بالفعل، مثل المحطة التجريبة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، والتى نفذتها جامعة القاهرة فى ٢٠١٥ بنسبة مكونات محلية تصل إلى ما يقرب من ٩٥٪، ويمكن البناء عليها لعمل المحطة التجريبة الأولى فى القصير بطاقة فى حدود ١٠ ميجاوات. كما أن الابتكار الخاص بمعالجة مياه الصرف السكنية موجود ومنفذ منذ بضع سنوات بواسطة الأستاذ فى المركز القومى للبحوث والحائز على جائزة الدولة التقديرية الدكتور، أحمد توفيق، أما مشروع تحلية مياه البحر واستخدامها فى الزراعة فقد استشرت فيه أحد علمائنا فى اليابان، وطبقا لما قاله لى مبدئيا فنحن بحاجة للبيانات التفصيلية للموقع للبدء فى عملية التصميم.

تحتاج هذه الابتكارات إلى تعظيم مردودها من خلال تصميم يضمن تكاملها مع البيئة المحيطة، ويحقق عدة فوائد وقد قمت بتجربة أولية فى هذا الاتجاه من خلال البحث التطبيقى الذى مولته جامعة القاهرة وانتهى فى أغسطس ٢٠٢٣.

 

 

 

التصميم المقترح لجهاز معالجة الصرف الصحى بمسجد الفتح ببرج رشيد كخطوة أولى لتحويل المسجد لمنشأة عامة تستهلك مياها أقل كثيرا وتنتج طاقتها وتزرع بعض الطعام، كما تستخدم جزءا من المياه المعالجة فى استعادة النباتات البرية فى المنطقة لوقف تدهور البيئة الطبيعية. المصدر نبيل الهادى بدء التحول لمنظومة المياه فى برج رشيد ٢٠٢٣

 

 

الدور الذى يجب أن تقوم به الجامعات ومراكز البحث فى مصر كبير لإنجاء هذا التحول، وهو ما يستدعى دعما أكبر للجامعات وباحثيها خاصة من الشابات والشبان. قد كتبت عن «البحث العلمى والابتكار واستراتيجية التغير المناخى» من قبل، ولكننا ربما بحاجة للتعاون مع المراكز الإقليمية للبحث مثل مركز جامعة كاوست فى جدة لأن الأبحاث التى يقومون بها هى فى الحقيقة مفيدة لهم ولنا، ويمكننا إفادتهم أيضا. وربما وجب علينا الانفتاح على مراكز البحث والابتكار فى الهند وجنوب إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية.

من البديهى أن هذا الطريق به العديد من المخاطر التى لا بديل عنها إن أردنا حماية مجتمعاتنا، وخاصة الأجيال القادمة، وهو ما يتطلب دورا محوريا للعلم فى حياتنا وشجاعة لدى متخذى القرار وتنويرا كبيرا لعامة الناس. هذا فيما أعتقد فرصة كبيرة للغاية لإعادة بناء قدراتنا واستعادة المساهمة الحضارية لمصر الذى اشتكى من غيابها الراحل الكبير السيد أحمد السعيد.

أستاذ العمارة بجامعة القاهرة

 

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved