علامات استفهام حول الاختراق المخابراتي لإيران

أيمن النحراوى
أيمن النحراوى

آخر تحديث: الجمعة 18 أكتوبر 2024 - 7:40 م بتوقيت القاهرة

فى خضم الأحداث الدائرة فى الشرق الأوسط، وتصاعد وتيرة الصراع بين إسرائيل وإيران، يأتى إعلان المسئولين الإيرانيين عن نقل المرشد الأعلى السيد على خامنئى من مقره الحالى إلى مقر سرى وسط ترتيبات أمنية مشددة، ليعكس وجود درجة عالية من الشك وعدم اليقين بشأن سلامة المنظومة الأمنية الإيرانية الراهنة، ويؤكد وجود خروقات لها على جميع المستويات، وللأسف فإن تلك الخروقات لم يتم التعامل معها بما يناسبها من تدابير وإجراءات، بدليل توالى تكرارها وحدوثها مسببة خسائر فادحة لإيران على جميع المستويات والأصعدة.

الكارثة أن كل تلك الخروقات تتعلق بالأمن القومى الإيرانى فى أعلى مستوياته، وليس أدل عليها من أنه فى عام 2018 قام فريق من العملاء تحت جنح الظلام بالتسلل واقتحام أحد المنشآت السرية بالقرب من طهران، وتمكن من الاستيلاء على 55 ألف صفحة من الوثائق و183 سى دى من ملفات البرنامج النووى الإيرانى، وبعد ثلاثة أشهر تم عرضها فى مؤتمر إعلامى فى تل أبيب، لكن المسئولين الإيرانيين حفظا لماء وجههم علقوا بأن تلك الوثائق ملفقة ومزيفة.

تكشفت الحقيقة بعد ذلك بثلاث سنوات عندما أعلن الرئيس الإيرانى الأسبق حسن روحانى أن إسرائيل قد سرقت بالفعل تلك الوثائق النووية الإيرانية، وأنها قدمت نسخة منها للرئيس الأمريكى ترامب.

فى ذلك المؤتمر، ردد نتنياهو اسم الدكتور محسن فخرى زادة عدة مرات وقال للحضور مؤكدا.. تذكروا جيدا هذا الاسم، وبعد عامين اغتيل الدكتور محسن فخرى زادة وهو أحد أبرز العلماء النوويين الإيرانيين داخل سيارته فى كمين لموكبه بالقرب من طهران.

وطوال العقدين الماضيين على ذات النهج تم اغتيال عدد من أبرز العلماء النوويين الإيرانيين، كما حدثت العديد من عمليات التخريب فى المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، كان أخطرها نشر فيروس الحاسوب «ستوكسنت» الذى عطل ألف جهاز طرد مركزى فى محطة نطنز النووية، كما تم عمل تفجير ضخم بمنشآت المحطة أدى إلى مقتل العشرات من المهندسين والتقنيين، وعمليات أخرى متعددة لم تتمكن الأجهزة الأمنية الإيرانية من الحيلولة دون منعها أو التوصل للجناة.

• • •

ما يفاقم من خطورة الأمر هو أن الرئيس الإيرانى الأسبق أحمدى نجاد قد تساءل: هل من الطبيعى أن يكون أكبر مسئول عن مواجهة عملاء وجواسيس إسرائيل ومواجهة المؤامرات الإسرائيلية فى إيران، أن يكون هو نفسه عميلا لإسرائيل؟

الأمر إذن حقيقى باعتراف كبار المسئولين الإيرانيين، ثم جاءت عملية اغتيال إسماعيل هنية فى قلب طهران لتؤكد وجود تلك الخروقات الأمنية الخطيرة، بعد أن قام اثنان من الخونة العملاء بوضع عبوات ناسفة فى مقر إقامة هنية فى دار ضيافة الحرس الثورى فى شمال طهران، وتفجير العبوات بالتوجيه عن بعد.

بالأمس القريب فى طهران أُعلن أن قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى إسماعيل قاآنى يخضع للتحقيق بشأن تعرض الفيلق للاختراق الأمنى، والاشتباه فى خيانة مدير مكتبه إحسان شفيقى وإيداعه السجن بعد ورود معلومات عن تخابره وتعاونه مع إسرائيل من خلال وسيط يعيش خارج إيران، وربما كان إسماعيل قاآنى هو نفسه موضع الاشتباه والشكوك.

إن خطورة ذلك الأمر تحديدا ترتبط بكون فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى هو الجهة المؤثرة التى تتولى إدارة السياسة الخارجية الإيرانية، ولاسيما فى العراق وسوريا واليمن، ومع حزب الله فى لبنان.

بناء عليه، فهناك احتمال قائم بأن الوقائع الأخيرة التى جرت فى لبنان وكان أخطرها اغتيال السيد حسن نصر الله فى بيروت، قد حدثت كانعكاس ونتيجة مباشرة لتلك الثغرات الأمنية المروعة فى منظومة الأمن الإيرانية، ووجود خيانة ضمن بعض مسئوليها، وخاصة عندما يتم تحديد دقيق للزمان والمكان الذى يتم فيه اجتماع السيد نصر الله مع عدد من القيادات الإيرانية وقيادات حزب الله، ويتم قصفه فى التو واللحظة بعدد 85 قنبلة أمريكية ثقيلة طراز مارك 85 لضمان القضاء عليه ومن معه تماما ونهائيا.

وفى ذات المرحلة تمكنت إسرائيل من اغتيال وتصفية عدد من كبار قادة حزب الله من قيادات الصف الأول والثانى، ومن غير المستبعد أن تكون قد تمكنت بالفعل من اغتيال السيد هاشم صفى الدين، الذى كان مرشحا لخلافة السيد حسن نصر الله فى تولى قيادة حزب الله.

أيضا ليس من المستبعد أن تكون أجهزة البيجر المتفجرة قد تم شراؤها وتوريدها إلى حزب الله بواسطة أحد وحدات الشراء والتوريد للحرس الثورى الإيرانى أو أحد الأجهزة الأمنية، وفى ظل وجود تسريب للمعلومات بشأنها، فقد تم تفخيخها بالمواد المتفجرة أثناء إحدى مراحل سلسلة التوريد، قبل وصولها إلى عناصر حزب الله وتفجيرها فيهم.

•  •  •

أيًا يكن أسلوب الاختراق المخابراتى لإيران أو ماهيته، فلا شك أن هناك اعتبارات متعددة يجب التفكير بشأنها، وأولها أن أجهزة الاستخبارات فى الكيان الصهيونى برغم ما تنسبه لنفسها من بطولات مخابراتية وإنجازات، فإنها وإن حققتها فهى لا تحققها بمفردها، وإنما يأتى ذلك كونها جزءا متكاملا فى منظومة أجهزة المخابرات الأمريكية والأطلنطية، والتى تعمل معها بتنسيق وتعاون تكنولوجى واستخباراتى وكأنها كيان واحد.

أما الاعتبار الثانى فهو تجاوز تلك الأجهزة المخابراتية للأساليب التقليدية وتحولها لاستخدام الأقمار الصناعية وتطبيقات نظم المعلومات الجغرافية والطائرات المسيرة وبرمجيات التجسس السيبرانى لاختراق منظومات وشبكات المعلومات والاتصالات وقواعد البيانات، ثم انتقالها إلى مستوى أرقى تكنولوجيا باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى على نطاق واسع فى عملياتها.

المؤكد أن تكون تلك الأجهزة المخابراتية فى تعاملها مع إيران قد استعانت بالعملاء والخونة فى مستويات مختلفة، بالتكامل مع استخدامها للتطبيقات السيبرانية ومنظومات الذكاء الاصطناعى فى عملياتها داخل إيران وكذلك فى تعاملها فى لبنان مع حزب الله الذى تكبد ثمنا باهظا بعد استشهاد خيرة قياداته.

•  •  •

اليوم وفى ظل الترقب الذى يسود العالم عن خطوات التصعيد القادمة بين إسرائيل وإيران، يعلن وزير الحرب فى الكيان الصهيونى أن الهجوم الإسرائيلى على إيران سيكون فتاكا ودقيقا وقبل كل شىء سيكون مفاجئا، مؤكدا أن الإيرانيين لن يفهموا ماذا حدث وكيف؟ وهو ما يدل على وجود معلومات دقيقة لديه وعن مستوى أسلوب التنفيذ تكنولوجيًا.

سواء تم ضرب مواقع نووية أو منشآت نفطية إيرانية أو أى مرافق حيوية أخرى، فإن مضمون تلك التصريحات يشير إلى أن ما يتم التخطيط له من جانب الكيان الصهيونى لن يدخل فقط منطقة الشرق الأوسط إلى مرحلة أعلى من الصراع والحرب، بل سيدخل العالم بأسره عصرا جديدا من الصراعات التكنولوجية الاستخباراتية والعسكرية شديدة التعقيد والدمار، وقد آن الأوان لكى يكون الجميع مستعدا لها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved