الصين ووجوهها المتعددة
السيد أمين شلبى
آخر تحديث:
السبت 19 نوفمبر 2011 - 8:30 ص
بتوقيت القاهرة
أى متتبع للأدبيات السياسية الدولية سوف يستوقفه سيطرة فحص ومناقشة العلاقات الأمريكية الصينية وينبع هذا مما عبر عنه الباحثون بل والساسة على الجانبين من محورية العلاقات الأمريكية الصينية فى تقرير شكل مصير القرن الواحد والعشرين، فعلى المستوى الأمريكى نجد خبيرا استراتيجيا مثل فريد زكريا يقول إن القرن 21 سوف يتحدد بشكل وحالة العلاقات الأمريكية الصينية، ونجد الرئيس الأمريكى أوباما يركز على الاعتماد المتبادل بين القوتين ويقول إنه بسبب تعاوننا فإن الولايات المتحدة والصين هما أكثر رخاء وأكثر أمنا. ولمحورية هذه العلاقات فإن النقاش لا يتوقف حول إمكانياتها والأسئلة التى تثيرها، وهل البلدان حقا مستعدان للتعاون والمسئولية المشتركة، وما هى الظواهر التى توحى بأن الصين مستعدة لأن تشارك فى حل المشكلات العالمية، وماهى النتائج إذا ما فشلت الولايات المتحدة والصين للتنسيق حول مسائل ذات اهتمام مشترك.
حول هذه التساؤلات تظهر على المستوى الأمريكى مدرستان، المدرسة الأولى والغالبة التى تنعكس فى تقييمات إدارة أوباما وتحدد رؤيتها تجاه الصين، تعتبر أن الصين قد تحولت من بلد متمرد Renegade تفصل نفسها عن النظام الدولى إلى بلد مشارك وبقوة فى المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولى، والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الصحة العالمية، ورغم إيجابية هذه الصورة فإن الإدارة الأمريكية تعتبر أن الصين مازال لديها ما تفعله لتحسين نوعية هذه المشاركة وهو ما انعكس فى الخطاب الأمريكى خلال زيارة الرئيس الصينى هو جينتاو لواشنطون فى 1/2001. أما المدرسة الثانية، وهى الأقلية، فهى التى تتهم أوباما بالسذاجة لاعتقاده ان الصين مستعدة حقا للتعاون، وان اظهار الاحترام للصين سوف يشجع القادة الصينيين على الاستفادة من المزايا الدولية التى تقدمها الولايات المتحدة، كما تهاجم هذه المدرسة الرئيس الأمريكى بأنه يضحى بالتفوق الأمريكى باعتباره المبدأ المنظم للسياسة الخارجية الأمريكية.
ويتدخل باحثون وخبراء صينيون فى العلاقات الدولية فى هذا النقاش فى محاولة لشرح طبيعة ومحددات السياسة الصينية فهم ينبهون إلى أن الصين ليس لها وجه واحد وإنما خمسة وجوه تقدم بها الصين نفسها للعالم وتتصرف وفقا لها جميعا وتنعكس على سلوكها الدولى: الوجه الأول هو أن الصين مازالت دولة نامية Developing كما يبدو فى نصيب الفرد من الدخل القومى الإجمالى، وعدم التوازن فى التنمية الإقليمية والاجتماعية فى الصين، ومؤشرات مستويات الحياة، وعلى الرغم من أن الزعيم ونج شاوبنج قد تنبأ بأن الصين سوف تلحق بصفوف الدولة متوسطة الدخل عام 2050، وأن هذا التنبؤ يبدو محافظا فإن هوية الصين كدولة نامية سوف يصعب تغييره فى الحقبة أو الحقبتين القادمتين. أما الهوية أو الوجه الثانى فهى الصين كقوة صاعدةRising power وهى المكانة التى تشارك بها الصين مع دول الـBRICS (البرازيل، والهند وروسيا ) التى ترمز إلى التحول الجارى للقوة من الغرب إلى الشرق. مثل هذا الوجه يعترف به بسهولة فى العالم، والوجه الثالث هو القوة العالمية World Power وهو يجمع بين حقائق حجم الصين، والسكان، والقوة الاقتصادية، والعضوية الدائمة فى مجلس الأمن، والوجه الرابع فهو مكانة القوة شبه الأعظم Quesi Superpower وهو يتصل بشكل وثيق باللحظة الانتقالية الحالية التى تتصف بالغموض والتناقض، مثل هذا الوجه فى سبيله للظهور أكثر من أن يكون مقبولا بشكل واسع فى الصين ولكن الفكرة تكتسب بروزا باعتبار ان الكثيرين حول العالم بدوا ينظرون للصين على هذا الوجه خاصة من مفهوم E2 (الولايات المتحدة والصين) أصبح أكثر شعبية، وبصراحة فإن الصين لديها إمكانيات أن تصبح قوة أعظم ولكن ثمة اعترافا واسعا من الشعب الصينى بصعوبة تحقيق هذه المكانة ومن التردد فى السعى إليها.
أما الوجه الآخر فهو الصين كبلد اشتراكى وفى بعض الأحيان يبالغ الغربيون من خصائص الصين الاشتراكية ويصفونها بالشيوعية بينما فى أوقات أخرى يتجاهلون الطبيعة الاشتراكية ويتعاملون وكأنها رأسمالية خالصة. ولا يستطيع أى من الوصفين أن يستوعب الطبيعة المعقدة للاقتصاد الصينى نموذج التنمية أو السياسات الاجتماعية وبعبارة أخرى فإن الصين دولة اشتراكية بخصائص صينية.
يعنى هذا التعدد فى وجوه الصين أنها حين تتخذ قراراتها فإنها يجب أن تضع فى اعتبارها هذه الوجوه، ومن هنا ما يبدو معه تعقد سلوك الصين وتعدده ففى بعض الأحيان يبدو وكأنه يعنى أن الصين مازالت قوة نامية تواجهها مشاكل هيكلية يجب أن تكون فى أولوياتها ومن ثم سلوكا دوليا متعاونا، وفى أحيان أخرى قوة تريد ان تؤكد نفسها كقوة عظمى فى إقليمها والعالم وهو ما يفسر ما يطفو من اختلافات بينها وبين قوة فى إقليمها مثل اليابان، وكذلك مع الولايات المتحدة.
•••
وفى زيارة أخيرة لبكين ولقاء مع عدد من مراكزها البحثية نوقش مفهوم «وجوه الصين المتعددة» وكان تعقيبهم أنه إذا كانت الصين قد أصبح لها وجوه دولية متعددة فإن الحزب الشيوعى الصينى فى إطار عملية التطور الشامل فى المفاهيم والأيديولوجية التى شهدتها الصين على مدى الثلاثين عاما، قد أصبح له أيضا وجوهه المتعددة بمعنى تعدد الاتجاهات والرؤى داخله.