السلفيون.. و«يوتوبيا» داعش
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 - 8:45 ص
بتوقيت القاهرة
بدعوتها إلى ما يسمى بـ«انتفاضة الشباب المسلم» يوم 28 نوفمبر الحالى، وضعت الجبهة السلفية نفسها فى معركة صعبة ستخوض من خلالها امتحانا مصيريا صعبا، سيحدد وجودها نفسه كتنظيم سياسى له صوت عال حاليا، فإما أن تثبت أن لها قواعد شعبية حقيقية تؤيدها، وساعتها سيكون لها ثقل ومشروعية فى مواجهتها للسلطة الحالية فى مصر، وإما أن تؤكد لنفسها ولنا أيضا أنها ظاهرة صوتية، ومجرد فقاعة هواء، فى حالة إذا ما فشلت فى حشد أنصارها بأعداد معتبرة.
دعايات الجبهة حول هذا اليوم انحصرت كما جاء على لسان قياداتها فى أن الشارع يحتاج إلى ضخ دماء جديدة للحراك الثورى، وللحسم والنفس الطويل فى نفس الوقت لتطبيق الشريعة، وأنهم سيقومون بتنظيم فعاليات ميدانية يرفعون خلالها رايات «الشريعة» و«الإسلام هو الحل»، مع عمل توعوى فى الشارع وشبكة الإنترنت لمواجهة الخطة الصهيوأمريكية لطمس هوية الشعب المصرى، والتى ينفذها السيسى نيابة عنهم، بحسب ما قاله شخص يدعى مصطفى البدرى وهو عضو قيادى بالجبهة السلفية.
أما أخطر ما قالته الجبهة، فقد ألمحت إليه قيادات أخرى محسوبة عليها بأنها لا تستبعد اللجوء للسلاح إذا فرضت عليها الظروف ذلك، وهو ما تراجعت عنه قيادات أخرى، وقالت إنها سترفع المصحف لا السلاح خلال فعالياتها فى هذا اليوم، دون أن ندرى ما السبب فى هذا التراجع الكبير فى تكتيكات الحركة، هل هو الخوف والذعر من مواجهة الدولة والذى فرض عليها إعادة حساباتها أم أن السلاح سيتوارى خلف المصاحف ليتم استخدامه فى الوقت المناسب، وإطلاقه على رجال الشرطة للوصول إلى «رابعة» ثانية على الطريقة السلفية؟
أيا كان الأمر، فإن اللجوء للسلاح لإسقاط الدولة له تكلفته الباهظة التى لن تستطيع الجبهة السلفية تحملها، فى وقت الذى تخوض فيه الدولة معارك طاحنة ضد التنظيمات السلفية الإرهابية فى سيناء، التى ضمها البغدادى كولاية اسلامية لدولته الهزلية، فالجبهة لن تستطيع نقل سيناريو حرب سيناء إلى شوارع القاهرة والجيزة أو حتى الإسكندرية خلال انتفاضتها المزمعة الأسبوع المقبل، لكن هذا لا ينفى إطلاقا أن للسلاح، فى المقابل له بريقه وجاذبيته لدى الكثيرين من متطرفى الجبهة الذين يحلمون بإقامة «مدينة داعش الفاضلة» فى مصر، جيث يستطيعون خلالها تطبيق الشريعة كما يرونها، مع ما يتبعه ذلك من وجهة نظرهم، بضرورة جز رقاب الكافرين والمرتدين من عموم أبناء الشعب المصرى، إذا خالفوا ماتراه الجبهة صحيحا، خاصة أن الخيال السياسى لهذه النوعية من السلفيين يهفو إلى عصر الفتوحات والغزوات وقتل الكفاروفرض الجزية عن من يبقى منهم على قيد الحياة، وقبل ذلك سبى نسائهم طبعا، وهو ما تقدمه لهم دولة داعش على ارض الواقع فى العراق وسوريا!
حيرة الجبهة بين المصحف والمسدس، لن تحسمها تصريحات عنترية أو مهادنة، يطلقها هذا الطرف أو ذاك داخل صفوف السلفيين الجهاديين، فالفروق بين الاختيارين هائلة ،واستراتيجيات وتكتيكات كلا من الطريقين متناقضة ،ينبغى قبل اختيار إحداهما القيام بدراسات عميقة لموازين القوى العسكرية والسياسية، ولمزاج الشارع واختياراته التى قد تختلف بين مرحلة وأخرى، وفهم الاعتبارات الإقليمية والدولية التى قد تقف معهم أو ضدهم، وهى كلها قضايا معقدة ليس لها أدنى علاقة بهذه الخفة والسذاجة التى تعاملت بها قيادات الجبهة ورءوسها الكبيرة مع الموضوع!