الانحياز ضد القتل

أحمد الصاوى
أحمد الصاوى

آخر تحديث: الأحد 18 ديسمبر 2011 - 9:45 ص بتوقيت القاهرة

حتى لو كنت تختلف «سياسيا» مع المعتصمين أمام مجلس الوزراء، فلا يمكن أن أقبل منك أن تختلف على الدم، أو تضعه فى إطار مساومات السياسة أو مكابداتها وأخلاقها، لن أحترمك لحظة عندما أسمعك تقول «العيال دول يستاهلوا»، فالدم ليس محل استقطاب، لكنه مبرر انحياز حقيقى، ويجب ألا تكون مستعدا «أخلاقيا» أن تنحاز لقاتل على حساب مقتول، حتى لو كانت لديك تحفظات سياسية على الاعتصام وأسبابه وأهدافه وحتى المشاركين فيه.

 

هذا انحياز مبدئى إذا أعجبك فاقرأ، وإذا لم يعجبك فغادر هذه السطور، فلست آسفا عليك، فإذا كنت لا تعرف الحقيقة، واستسلمت لخطاب إعلامى تحريضى على كل شىء له علاقة بالثورة، ونجح البعض فى تكفيرك بشباب أنت تحصد ثمار زرعهم، وثمن دمائهم، فكيف أغمض هؤلاء عينيك عن رؤية مشاهد التنكيل بالنساء السافرات، وسحل المنتقبات، والتبول على المصريين، هل تقبل تحت أى مبرر أن يتبول عليك ضابط أو عسكرى مهما كان جرمك؟!

 

إذا كنت لا تقبل أكمل هذه السطور، أما إذا كنت تقبل فقلت لك إننى غير آسف عليك، لكنك لابد أن تدرك أن جنديا يتبول على مواطنين مصريين أو ضابطا يشير إليهم بالوسطى لا يهينان إلا رداءهما والمؤسسة التى ينتميان إليها، فإذا كنت لا تجد فى داخلك «دما أو إحساسا» يدفعك لتغضب من أجل إهانة مصرى أو مصرية، فلتغضب على الأقل من أجل إهانة سمعة واعتبار مؤسسة عسكرية شاهد العالم كله جنودها يتبولون على المواطنين.

 

ما جرى عند مجلس الوزراء فشل بامتياز لهذه السلطة التى تتصرف دون أدنى درجات الوعى السياسى، إذا ما افترضنا حسن نواياها، فإذا كانت تقصد ما جرى فتلك مصيبة، وإذا كانت لا تقصد وانفلتت منها الأمور إلى هذا الفوران فتلك مصيبة وأعظم وفشل أكثر فداحة، ففى النهاية هناك طرف فى معركة يمكنه التزام الهدوء بأمر واحد، لكن هذا الأمر لا يصدر، ومظاهر التشجيع على الإيذاء كثيرة وفادحة، لم تبدأ فقط عند مجلس الوزراء، لكنها بدأت من قبل ذلك بأشهر عند ماسبيرو، حدثنى عمن سمح للجنود والمواطنين «الشرفاء» بالصعود على أسطح البنايات، وإذا كنت تعتقد أن هؤلاء شباب «صنايع» فأخبرنى كيف مات طلاب الطب وأصيب طلاب الصيدلة، واستشهد الشيخ عماد وهو صاحب حيثية معتبرة فى دار الإفتاء، لا تخبرنى أنه مات مصادفة فقد كان يخلع جبته وعمامته ويمضى للاعتصام يوميا، لكن اترك كل هذه الأشياء جانبا باعتبارها افتراضات قد لا تكون ترى حقيقة فيها، لكن هناك حقيقة واحدة: أن طلقة نارية أودت بحياته مع غيره.. وعلى السلطة أن تخبرنا من أطلق الرصاص؟ وهذه المرة إذا صدقت أسطورة الطرف الثالث وأفلام «اللهو الخفى» سأكون فعلا غير آسف عليك!

 

إذا عجزت عن قول الحق وجعله ملء الأفواه فلا تنطق بالباطل.. وإذا جبنت أن تشهد أن الحجاج أمير الطغاة فلا تزعم أنه الإمام العادل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved