القاهرة تحترق.. فمَنْ ينقذها؟
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الأحد 18 ديسمبر 2011 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
كنت موجودا فى مكان الأحداث أمام مجلس الوزراء لمدة ساعة قبل ظهر الجمعة الماضية. جنود يعتلون سطح مجلس الشعب يقذفون المتظاهرين بالطوب والحجارة، ومعتصمون يكسرون زجاج الدور الأول من المجلس.. شاهدت بعينى شابا منقولا على دراجة بخارية وعينه تنزف دما.
غادرت المكان غضبانا آسفا، وكدت للحظات أصاب باليأس شاعرا أننا لم نتقدم قيد أنملة عن يوم 25 يناير، وكأن يوم 11 فبراير، حينما تنحى مبارك لم يحدث بالفعل.
للمرة الأولى كدت أفقد البوصلة، ولم أعد أعرف بالضبط من هو الثورى ومن هو المتآمر؟!.
فى مساء الجمعة قرأت تعليقا سريعا لأحد الأصدقاء على فيس بوك يقول فيه «وعند الدم يعجز اللسان».
نعم القول صحيح ودقيق وبليغ، كثير منا له عشرات التحفظات على سلوك بعض الثوار، والعبدلله، كتب أكثر من مرة فى الأيام الأخيرة كلاما قاسيا بحق الثوار والمعتصمين، لكن النقد شىء والقتل شىء مختلف تماما، أبسط حقوق المواطن أن يتظاهر ويعتصم، وقد يشط ويتطرف فيسب ويشتم ويهتف بكلمات قاسية، لكن مواجهة ذلك لا تتم أبدا بالرصاص الحى أو الخرطوش أو الحجر الذى يلقى من أعلى فيتحول إلى رصاصة قاتلة. لكن الذى ليس من حق المتظاهرين أن يحرقوا المبانى والمنشآت وعندما يفعلون ذلك يتحولون إلى هجامة وقطاع طرق وبلطجية.
من حق الشرطة المدنية أو العسكرية أن تغضب وتتضايق أو تتوتر وتتنرفز من المتظاهرين او حتى «تلعنهم فى سرها»، لكن ليس من حقها بالمرة أن تقتلهم.
فى كل بلدان العالم الشرطة هى التى تحرس المظاهرات، ولو أن كل شرطة قتلت متظاهريها ومعتصميها ما بقى على ظهر الأرض من شعب، وستجد الشرطة نفسها وحيدة بلا شعب تحكمه أو تقهره.
حاولت أن أعرف، كيف بدأت الأحداث، لكنى وحتى صباح السبت فشلت فشلا ذريعا، هناك أكثر من رواية وكل طرف يزعم أنه الضحية.
يمكننا أن ننتقد المتظاهرين كما نشاء، لكن نحاسبهم بالقانون إذا اخطأوا، يمكننا ان نستخدم الغاز المسيل للدموع ــ القانونى وليس السام ــ ويمكننا أن نستخدم خراطيم المياه، لتفريقهم، ويمكننا فى أشد الحالات استخدام العصى، أما الرصاص الحى فلا يكون إلا عندما يبادرك الطرف الآخر بالرصاص، ثم يمكننا أن نقبض عليهم ونحقق معهم ونحيلهم إلى المحكمة لتفصل فى أمرهم.
لم يعد مقنعا الحديث عن الطرف الثالث دون ان نكشفه.
عذرنا المجلس العسكرى كثيرا، لكن عندما يتكرر الخطأ كل مرة، فالأمر غير مفهوم، كيف يمكن للمجلس أن يقع فى الخطأ كل مرة وبنفس الطريقة؟!.
المتظاهرون فكوا وأنهوا اعتصامهم بميدان التحرير تحت ضغط الرأى العام، واكتفوا بالاعتصام أمام مجلس الوزراء، وأغلب الظن أنهم كانوا فى طريقهم لفك الاعتصام مقابل مخرج مشرف يحفظ ماء وجوههم. لكن عندما يحدث ما حدث ويقع شهداء ومصابون نتيجة حادث غامض فهناك مليون علامة استفهام!.. وما يزيد الأمر ارتباكا أن المجلس العسكرى قبل الأحداث كان فى موقف قوى للغاية.. الناس تتدفق على صناديق الانتخابات والأمور تسير إلى الأمام.. وفجأة يجد نفسه متورطا فى سفك مزيد من الدماء.. السؤال البسيط هو: حتى لو تم استفزازكم.. فكيف تقعون فى نفس الخطأ.. ثم وهذا هو الأهم: هل سبب ذلك قلة خبرة أم سيناريو لا نعرف عنه شيئا؟! هل لدى أحدكم حل وتفسير لهذا اللغز؟!. إحراق المجمع العلمى جريمة وكارثة يصعب تقدير خسائرها وتكشف ان بيننا همجا لم يتأثروا لا بالثورةر ولا بالإنسانية.
القاهرة تحترق وتحتاج عقولا سياسية ووطنية لإنقاذها.