مسيرة طويلة من التخبط فى مجلس التعاون الخليجى
علي محمد فخرو
آخر تحديث:
الخميس 18 ديسمبر 2014 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
المسألة الأمنية أصبحت تمثل كابوسا فى واقع دول مجلس التعاون. ولم يصل الأمر إلى المستوى التراجيدى المعقد الحالى لو أن الفكر أو المنظور أو التخطيط السياسى الاستراتيجى لم يكن مشوشا طيلة مسيرة المجلس، ولو أن الإرادة السياسية المشتركة لاتخاذ القرارات قد توفرت فى مختلف مستويات قيادة المجلس. الموضوع بالفعل وصل إلى التمظهرات الكارثية، ولذا فالحديث عنه يجب أن يكون صريحا ومباشرا.
المسألة تبرز فى وجهين لعملة واحدة: الوجه الأمنى الداخلى، والوجه الأمنى الخارجى. فى الأسبوع الماضى أبرزنا جانبا مفصليا واحدا من جوانب الأمن الداخلى والذى يتطور شيئا فشيئا ليوصل مجتمعات دول مجلس التعاون إلى فقدان هويتها العربية من خلال طريقين: الأول هو الازدياد المتسارع الخطر فى أعداد العمالة الوافدة غير العربية فى كل دول المجلس، والثانى هو التراجع المفجع لمكانة اللغة العربية، وبالتالى للثقافة العربية، عند الجيل الجديد من مواطنى مجلس التعاون.
اليوم دعنا نحاول النظر إلى الوجه الآخر للعملة، وجه الأمن الخارجى، ولكن بصورة مقابلة بين الظروف التى أحاطت بدول المجلس عبر الخمس والثلاثين سنة الماضية وبين مسيرة المجلس لمواجهة تلك الظروف.
الواقع أن دول المجلس عاشت عبر تلك الفترة الصاخبة حالات قلق وخوف وذعر. لقد بدأت تلك المخاوف بعد نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية مباشرة، عندما طرحت بعض الأوساط الإيرانية فكرة تصدير الثورة الإيرانية إلى مجتمعات الدول المحيطة بها. لقد أوجد ذلك توجسا عند أنظمة تلك المجتمعات بعد أن اعتقدت بأن مجيئ الحكم الإيرانى المسلم الجديد سينهى التوترات الكثيرة مع الحكم الشاهنشاهى السابق.
•••
لم يمر عام واحد حتى انفجرت الحرب العراقية ــ الإيرانية فتضاعف الخوف مما قد تفعله الجهة المنتصرة فى تلك الحرب، فكان أن ولد مجلس التعاون كرد فعل لذلك الخوف.
وما أن انتهت تلك الحرب الجنونية التى أنهكت إيران والعراق ودول الخليج العربية حتى فوجئت المنطقة بغزو الكويت العبثى الذى نقل الخوف إلى مستوى الذعر والهلع الشديدين.
وهكذا وجدت دول المجلس نفسها شيئا فشيئا تدخل فى دوامة التآمر الإمبريالى على العراق من خلال محاصرته ومن ثم احتلاله، ومن ثم دخول المنطقة برمتها فى صراعات مذهبية طائفية لم تنته بعد.
لكأن ذلك لم يكن كافيا كوقود لهستيريا الشكوك والمخاوف حتى أضيف عاملان آخران: الأول تمثل فى حراكات الربيع العربى التاريخية منذ أربع سنوات، وهو حراك لايزال يتفاعل ولم يستقر على حال بعد، وبالتالى مرشح لمفاجآت مستقبلية. أما الثانى فهو الصعود المذهل لداعش وأخواتها فى أجزاء كبيرة من العراق وسوريا ومايحمله ذلك من تداعيات على مستقبل بعض أو كل دول المجلس.
كان لابد من ذكر كل ذلك لإظهار الترابط الشديد بين مكونات المشهد الأمنى الماثل أمامنا والحجم الهائل لذلك المشهد، وبالتالى التعقيدات المتشابكة التى سيأتى بها المستقبل والتى أصبحت مواد صالحة لتجهيز طبخات سامة مميتة فى مطابخ استخبارات الكيان الصهيونى وعواصم الدول الإمبريالية المتكالبة على المنطقة.
•••
من المؤكد أن تلك الأحداث المتسارعة المعقدة المتراكمة عبر ثلث قرن تبرر الاهتمام الشديد الأخير بالقضية الأمنية. لكن نوع ذلك الاهتمام ونتائجه المستقبلية سيعتمد على إجابات دول المجلس على السؤال المفصلى التالى: هل تعامل مجلس التعاون عبر العقود الثلاثة الماضية، مع تلك الأحداث المتسارعة بفكر سياسى حصيف وبمنهجية عملية كفؤة؟
الجواب الصريح الموضوعى هو، مع الأسف الشديد، كلا. المفروض، بعد خمس وثلاثين سنة من الخوف والهلع، أن توجد قوة عسكرية ذاتية مشتركة لحماية دول المجلس ولإبعاده عن ارتماء دوله بصور منفردة فى أحضان دول أجنبية تحميها، لكن ذلك لم يحدث.
المفروض أن تكون دول المجلس قد دخلت عبر السنين الماضية فى حوارات كثيرة، وعلى كل المستويات، مع إيران لوضع ضوابط سياسية فى علاقات الجهتين، ولبناء مصالح اقتصادية مشتركة تبنى اعتمادا متبادلا بين مؤسسات الجهتين، ولإجراء حوارات فقهية جادة تقلل التطرف عند الجهتين، ولمحاولة الاتفاق على مواقف مشتركة فى الساحتين الإقليمية والدولية.. لكن أيا من ذلك لم يحدث، بل ولم يحاوله أحد بجدية واستمرارية. لقد ترك الأمر للبلادة فى الساحتين لتهيمنا على الخطاب الإعلامى والسياسى والاقتصادى، وبالتالى الأمنى.
كان المفروض أن يكون للعراق ولليمن مكانة خاصة فى ساحات دول المجلس لإيجاد التوازنات والندية فى هذه المنطقة المضطربة، لكن ذلك لم يحدث.
لقد كان المفروض أن نكون قد انتهينا من إتمام الكثير من الخطوات الوحدوية بين دول المجلس، لكن ذلك لم يحدث أو أنه سمح له أن يتعثر.
لقد كان المفروض أن تفهم دول المجلس أن الزمن العربى الجديد يقتضى الاتفاق على خطوات تقدمية ديموقراطية مشتركة لتجنب نفسها الاحتقانات السياسية الداخلية، ولتتناغم مع تطلعات شعوب الأمة العربية على الأقل فى مستواها الأدنى، ولكنها لم تفعل وعاشت كل دولة فى عالمها الخاص، فتكونت صورة سريالية للمجلس.
إذن، فالمجلس يحتاج إلى إعادة نظر فى فكره السياسى، فى طرائق عمله، فى أولوياته، فى اعتماده على نفسه إلى أبعد الحدود، فى حل أية توترات تاريخية بين أنظمة الحكم والشعوب، فى علاقاته القومية مع وطنه العربى الكبير.
إنه طريق طويل، وبغير ولوجه ستبقى القضيتان الأمنيتان، الداخلية والخارجية، تراوحان مكانهما.