شبكة المعارف في الحياة الأكاديمية
محمد زهران
آخر تحديث:
الأحد 18 ديسمبر 2016 - 11:55 ص
بتوقيت القاهرة
هناك عدة أفكار خاطئة عن الحياة الأكاديمية تصورها على أنها تعتمد فقط على قوة وبراعة أبحاثك وأنك تستطيع أن تعمل وحيداً وتصنع المعجزات، الكل يفكر فى أينشتاين وإكتشافاته وهو قابع فى مكتبه فى مركز براءات الإختراع يعمل وحيداً ويقول لزواره "هذا هو قسمى للفيزياء التطبيقية" وهو يشير لدرج مكتبه!
هذه الأحلام الوردية غير صالحة للعصر الذى نعيش فيه حيث أصبح العلم معقداً عن ذى قبل والإكتشافات الكبرى تحتاج فريق من تخصصات عدة وقد تكلمنا عن هذا فى مقال سابق.
ما سنتكلم عنه اليوم هو شبكة معارفك وأهميتها فى المجال الأكاديمى.
شبكة معارفك أو علاقاتك لا تعنى أنهم مجموعة من الناس ستعطيك غير حقك أو تتساهل معك فى أشياء ولكنها تعنى مجموعة من الناس تعرفك شخصياً وتعرف عملك ولذلك تثق بك، لذلك يجب أولاً أن يكون عملك ذي قيمة تجعل الناس تهتم به... لكن ما أهمية شبكة المعارف؟ وسنركز هنا على الوسط الأكاديمى.
شبكة المعارف تسهل لك الطريق للتعاون في مشروعات علمية ونحن نرى الكثير من الأبحاث مؤلفيها من عدة جامعات أو من جامعات وشركات وهذا التعاون يثمر أبحاثاً أقوى من شخص يعمل منفرداً أو أستاذ وطلبته فقط نظراً للخبرات والتخصصات المختلفة وتكاملها.
شبكة المعارف هي طريقك للدعوات إلى لجان تحكيم الأبحاث العلمية في المجلات والمؤتمرات وهذه خبرة مهمة لأنك لن تكون باحثاً حتى تتعلم كيف تقرأ بحثاً كتبه آخرون وتحكم عليه حكم موضوعى، وأذكر كلمة "موضوعى" لأنى رأيت الكثير من طلبة الدكتوراه عندما يحكمون أبحاثاً للغير (أعطاها لهم مشرفهم مثلاً) يحاولون أن يظهروا الشدة ويبحثوا عن الأخطاء في أي بحث لإظهار قدراتهم وهذا لا يتسم بالموضوعية لأن الكمال لله وحده ولا يوجد بحث بلا أخطاء، والفن هو الحكم على إن كانت هذه الأخطاء بسيطة ولا تؤثر على قيمة البحث أم لا ثم كتابة تحكيم يساعد المؤلفين على تحسين بحثهم عند النشر، هذا يحتاج للتدريب وللحصول على هذا التدريب يجب أن تحكِم أبحاثاً وذلك يحتاج لشبكة معارف.
شبكة المعارف قد تساعدك في الحصول على تمويل لأبحاثك لأنه في حالة تعادل عدة أبحاث في القوة فإن الجهة الممولة غالباً تمول من تعرفه وتثق به ولكن هذا معناه أن بحثك الذى تطلب التمويل له يجب أن يكون بنفس قيمة الأبحاث القوية المقدمة على الأقل.
شبكة المعارف قد تساعدك في الحصول على الجوائز العلمية عن طريق ترشيحك أو دعمك ولكن هذا أيضاً يستلزم أن تكون مستحقاً للجائزة، نحن نتكلم عن شبكة المعارف في بيئة أكاديمية غير فاسدة.
وأخيراً شبكة المعارف هي طريقة للحصول على خطابات توصية (recommendation letters) عند تقديمك في وظيفة ما.
هناك عدة أسئلة مهمة في موضوعنا: من هم الأشخاص الذين يمثلون هذه الشبكة من المعارف؟ كيف نبنى هذه الشبكة من المعارف؟ كيف نحافظ على هذه الشبكة من المعارف؟
شبكة المعارف تتكون من الباحثين في مجال تخصصك في الجامعات ومراكز الأبحاث والشركات بالإضافة إلى بعض الهيئات الحكومية، هذا غير مقيد بالدولة التي تعمل بها فيمكن أن تكون باحثاً في مصر وشبكة معارفك تكون في أمريكا وأوروبا وآسيا مثلاً بالإضافة إلى مصر (لا يجب أن تغفل شبكة المعارف في الدولة التي تقيم بها وجامعتك أو شركتك)، هذه الشبكة من المعارف لا تتحدد بسن فكون أنك صغير السن لا يعنى أن تحاول ضم العلماء الكبار لمعارفك وفقط بل الباحثين الصغار لهم أهميتهم لأنك من الممكن أن تتناقش معهم بحرية أكبر.
كيف نبنى شبكة المعارف هذه؟ هناك عدة عوامل تتحكم في سهولة أو صعوبة هذه المهمة، أهم هذه العوامل هي ما إذا كان مكان عملك من الأماكن المرموقة (جامعة مصنفة عالمياً تصنيفاً متقدماً مثلاً أو معمل أبحاث مرموق) وما إذا كان الأستاذ المشرف له شبكة معارف قوية، إن كنت من هؤلاء المحظوظين فالبداية سهلة لأن أستاذك المشرف (أو رئيسك في معمل الأبحاث) يستطيع بخبرته أن يقدمك لمعارفه، عليك فقط أن تطلب منه المساعدة وهو لن يتوانى عن مساعدتك إذا كان يثق بقدراتك فنجاح الأستاذ من نجاح الطالب، إذا كنت في جامعة مرموقة فذلك معناه أن الجامعة تنظم محاضرات يلقيها علماء كبار على مستوى العالم فعليك حضور هذه المحاضرات والتحدث مع هؤلاء العلماء إن استطعت وتقديم نفسك، هذا معناه أنه يجب أن يكون هناك أبحاث منشورة لك تستطيع أن تتكلم عنها، يمكنك أيضاً طلب المساعدة من الأساتذة في نفس قسمك لأن جامعة مرموقة تعنى أساتذة مرموقين.
ماهى الخطوة الثانى؟ أو ماهى الخطوة الأولى إن لم تكن في جامعة مرموقة أو أستاذك ليس له شبكة المعارف القوية؟ هنا عليك بذل بعض المجهود، الخطوة الأولى كما قلنا من قبل ونعيدها هنا: أن يكون لك عمل تستطيع أن تتكلم عنه (بحث منشور فى مؤتمر مرموق أو مجلة علمية) لن تبنى علاقاتك عن طريق إظهار محبتك للباحثين الكبار!
الخطوة الثانية هو عمل صفحة لك على الإنترنت، لاحظت أننا فى مصر لا نهتم بهذه النقطة ولكنها فى غاية الأهمية، عندما ترسل رسالة لأحد الباحثين وهو لايعرفك أول شئ سيفعله هو البحث عنك فى شبكة الإنترنت ليرى عملك فيجب أن يكون لك عمل تعرضه ويجب أن يكون لك وجود على الشبكة العنكبوتية.
الخطوة الثالثة هى حضور كل المؤتمرات التى تستطيع حضورها، وذلك ليس من أجل سماع المحاضرات إلا الهام منها، لأن الأبحاث المعروضة هناك تستطيع الحصول عليها قبل المؤتمر والتواصل مع كاتبيها إذا كان عندك أسئلة أو تريد أن تناقش نقطة معينة، حضور بعض المحاضرات فى المؤتمرات القوية تساعدك على تحسين مستوى الإلقاء وكيفية التحدث للجمهور والإجابة على الأسئلة، أما الأهم فى هذه المؤتمرات هو التحدث مع الباحثين فى التخصص الدقيق الذى تبغيه، من المهم تحضير عدة جمل (لا يتجاوز إلقاؤها 10 إلى 15 ثانية) عن أبحاثك، لن يهتم بك أحد إذا زدت عن هذا، هذا ما يسمونه (elevator pitch) من السهل أن تتحدث عن عملك لمدة عشر دقائق ولكن من الصعب جداً ويستلزم الكثير من التمرين أن تتحدث عنه فى عشر ثوان! فقط عندما يسألونك المزيد يمكنك أن تدخل فى التفصيلات.
بعد ذلك عليك التواصل معهم بعد المؤتمر عن طريق الإيميل أو أية وسيلة أخرى: مثلاً تشكرهم على المقابلة أو تستفسر عن شئ فى أبحاثهم أو ترسل لهم بحثاً ترى أنه قد يهمهم أو تناقش معهم فكرة بحث جديد، المهم فى كل ذلك أم تفكر فى ما سيستفيدونه منك وليس العكس لأنه هكذا تبنى العلاقات.
هذا الموضوع يطول شرحه فسنكتفى بهذه المعلومات الأولية فى هذا المقال ونرشح كتباً مهماً فى هذا المجال من Harvard Business Review بعنوان (HBR Guide to Newtorking) أو دليل التواصل وهو مجموعة من المقالات عن مهارات التواصل فى عصرنا الحديث.