سيسيليا ساركوزى اتياس
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
الأحد 19 يناير 2014 - 8:20 ص
بتوقيت القاهرة
صدر منذ ثلاثة شهور عن دار النشر الفرنسية المعروفة فلماريون كتابا بعنوان «رغبة فى الحقيقة» لصاحبته سيسيليا الزوجة السابقة للرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى، وهو من كتب السيرة الذاتية، وهدف الكتاب كما تقول صاحبته «هو للدفاع عن الأفكار والأقوال والأشياء التى عشتها كما هى»، وسيسيليا عاشت 11 سنة مع ساركوزى ولكنها تركته مرة قبل أن يتبوأ الرئاسة عام 2005 ومرة أخيرة فى السنة الأولى للرئاسة عام 2007 وأهمية هذا الكتاب لا يعود إلى أن صاحبته تزوجت ثلاث مرات وأم لأربعة أبناء الأخير هو لساركوزى لأن هذا ليس من شأننا أن نحكم أو ندين الآخرين، ولكن أهمية الكتاب يرجع إلى أن كاتبته تكتب عن كواليس الحكم وكيف تدار شئون البلاد من الداخل فقد رافقت ساركوزى مدة إحدى عشرة سنة منذ أن كان عمدة «لنويى» ثم وزيرا للميزانية ثم وزيرا للداخلية وفى أثناء تلك المراحل كان موقعه الحزبى يزداد ضوءا إلى أن أستطاع أن يأتى إلى الحكم عام 2007، وتحكى سيسيليا عن مؤمرات الحاشية ونساء الحاشية لدرجة أن كثيرات من الصديقات تركنها فى الفترة الأولى التى تركت فيها ساركوزى عام 2005 وكيف أن كثيرات طلقن أزواجهن ــ من زوجات الوزراء والمسئولين ــ بعد أن تركته فى المرة الثانية عام 2007 فربما يتزوج الرئيس واحدة منهن وهذا لم يحدث فقد تزوج من عارضة أزياء وممثلة من أصل إيطالى هى كارلا بونتى.
تقول سيسيليا عن أن السلطة صعب أن يتخلص منها الإنسان لأن لها «قوة جذب فى ذاتها» مما يجعل الناس يلهثون وراء السلطة وينسون كل شىء وأولها الزوجة والعائلة، والكتاب يموج كبحر هادئ تحكى فيه سيسيليا عن حياتها الشخصية وأصول العائلة فجدها من أصل مولدوفى يهودى روسى هاجر إلى فرنسا فى سن الثالثة عشرة قبل الحرب العالمية الأولى فجدتها من أصل إسبانى بلجيكى، وتحكى كيف ولدت بضمور فى القلب ودرست البيانو وأنهت تعليمها الفرنسية عند «راهبات لوباك» ثم دخلت الجامعة ولكنها تركتها ثم عملت مساعدة لأحد البرلمانيين وعارضة أزياء لفترة وجيزة ولكن فى الفصل الثانى عشر التى تتكلم فيه عن دور وسائل الإعلام أصبح هذا البحر المتدفق بهدوء فجأة هائجا تنطلق منها الكلمات كالرصاص كأنها قطة جرحت فى كبريائها وأنوثتها محملة وسائل الإعلام مسئولية الخوض فى أعراض الناس قائلة: «وسائل الإعلام تهتم بالحياة الخاصة لرجال السياسة وليس لسياستهم» مستشهدة بما جرى للراحلة الأميرة ديانا فهى ضحية الإعلام وبريقه ثم تطرح السؤال الشهير ما هى الحدود التى يجب ان تقف فيه وسائل الإعلام؟ هل من حق المواطن أن يعرف أدق تفاصيل حياة السياسيين وكان الرئيس ساركوزى يجيبها بأنها الشفافية، لتعود إلى السؤال: هل الشفافية هى الخوض فى تفاصيل أعراض الناس، وما هى حدود هذه الشفافية؟ وتستشهد بأن إدارة أوباما تُظهر للراى العام ما تريد أن تظهره أى أن هناك جانب الشفافية ولكن أيضا يُحجب عن الناس والإعلام ما لا تريد الإدارة إظهاره خاصة عن الحياة الشخصية للرئيس وعائلته مطالبة وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى بالرجوع للقيم الأخلاقية والمهنية وتقول سيسيليا: «بطبيعة الحال تأثرت كثيرا بالحالات التى تعرضت لها ولطالما تلقيت ذلك من دون أن أعلق ولكن لا نعتاد على ذلك أبدا».
تأتى أهمية الكتاب أيضا من أنها تصف دورها فى تحرير الممرضات الخمس البلغاريات والطبيب الفلسطينى الذين كانت السلطات الليبية على وشك إعدامهم بتهمة قتل الأطفال بمرض الإيدز وهى تهمة واهية وقد قررت أن تواجه الديكتاتور الليبى فى عقر داره وذهبت إليه مرة لإقناعه والمرة الثانية حاول الإقتراب منها بعد أن دخلت قاعة تحت الأرض وأغلق الحراس عليهما الباب بالمفتاح ولكن هددته بالمجتمع الدولى وفى آخر الأمر استطاعت أن تحررهم وتحكى سيسيليا عن الساعات الـ48 والمتاعب النفسية والمرعبة نفسا وجسدا، وكانت هذه المهمة هى آخر ما قامت به كزوجة للرئيس تاركة قصر الإليزيه وأبهة السلطة ودسائس السياسيين والأضواء الكاذبة للإعلام إلى حيث استراح قلبها مع زوجها الثالث مؤسِسِة مؤَسَسَة تحمل اسمها تهتم بالمرأة من حيث التعليم والصحة تعمل من نيويورك. وتصف سيسيليا هذا الانفصال «بأنه خطوة شخصية بالكامل لم ينم ذلك عن شجاعة من عندى بل كان ضروريا لأكون صادقة مع نفسى. أحيى هذه المرأة التى وجدت الجرأة الكاملة لعرض حياتها بالتفصيل دون المساس أو التشهير بزوجها السابق الرئيس ناقلة لنا ما يدور فى الدهاليز، وفى اغلب الظن دهاليز الحكم تتشابه فى كل مكان وفى كل زمان وعلى الإنسان الذى يريد أن يعمل فى العمل العام والسياسة عليه أن يتحمل ما لا يطيق تحمله أغلب الناس.