هل ستخرج الحرب في غزة عن السيطرة؟
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 19 يناير 2024 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
منذ اليوم الأول للحرب فى غزة، وإدارة الرئيس جو بايدن تعمل على منع تمددها الإقليمى إلى ساحات أخرى.
من جهة أولى، كانت عين واشنطن على جبهة لبنان حيث احتمالات التصعيد بين حزب الله وإسرائيل دوما قائمة، ولاحتواء الخطر سارعت الإدارة الأمريكية فى إرسال قطع بحرية إلى شرق البحر المتوسط وحشد إمكانيات عسكرية إضافية لتوجيه رسائل ردع واضحة إلى حزب الله وراعيه الإقليمى إيران. خلال الأسابيع الأولى للحرب، أسفرت رسائل واشنطن، ومعها تقديرات المصلحة السياسية من قبل حزب الله التى ذهبت باتجاه الابتعاد عن مواجهة مفتوحة مع تل أبيب وكذلك تقديرات المصلحة الوطنية للحكومة الإيرانية التى لا تريد تصعيدا مفتوحا مع القوة العظمى وحليفتها فى الشرق الأوسط وتخشى على منشآتها النووية ومواقع النفوذ الإقليمى التى راكمتها، أسفرت هذه العوامل مجتمعة عن منع حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل.
غير أن منع الحرب لم يحل دون تبادل إطلاق الصواريخ والمسيرات بين الطرفين، وهو ما أوقع بعض الضحايا المدنيين هنا وهناك ورتب نزوح أكثر من ١٠٠ ألف إسرائيلى وإسرائيلية من قراهم ومدنهم فى الشمال وأسقط عددا من القادة الميدانيين لحزب الله فى جنوب لبنان. ثم كان أن صعدت حكومة اليمين المتطرف التى يقودها بنيامين نتنياهو من جهة باغتيال نائب رئيس المكتب السياسى لحماس، صالح العارورى، فى ضاحية بيروت الجنوبية وبالهجوم على مناطق مدنية، ومن جهة أخرى بإطلاق وزراء ومسئولين عسكريين تصريحات متتالية بشأن اقتراب الحرب الشاملة مع حزب الله للحد من قدراته الصاروخية ولإبعاده عن المنطقة الحدودية بين البلدين وإعادة الأشخاص المهجرين الإسرائيليين فى الشمال. فعلت حكومة نتنياهو ذلك دون التفات للضغوط الأمريكية والأوروبية التى طالبت بحماية لبنان وتمكين الغرب من الانخراط فى وساطة هادئة باتجاه هدنة طويلة المدى بين إسرائيل وحزب الله. وعلى الرغم من عدم رغبة الحزب وراعيه الإيرانى فى التورط فى تصعيد مفتوح، لم يكن أمامه سوى الرفع الجزئى لعمليات إطلاق الصواريخ والمسيرات على أهداف عسكرية ومدنية فى الشمال لإثبات إمكانات الرد وإبعاد شبهة السلبية والاستباحة.
ومن ثم، وبالنظر إلى جبهة لبنان فى جنوبه وشمال إسرائيل، يصعب اليوم استبعاد احتمالية الحرب الشاملة إن خرجت الأفعال وردود الأفعال عن السيطرة، خاصة مع رغبة حكومة نتنياهو اليمينية فى إطالة أمد العمليات العسكرية كوسيلة لغاية هى البقاء فى السلطة السياسية.
• • •
من جهة ثانية، كانت عين واشنطن وهى ترسل قطعها البحرية وتحشد إمكانياتها العسكرية على جبهتين إضافيتين، هما سوريا والعراق. للولايات المتحدة فى البلدين قواعد لقواتها المسلحة ولوجودها الاستخباراتى يرتبط بالحرب على عصابات الإرهاب وبقايا تنظيم داعش وحماية حلفاء محليين، ويرتبط أيضا باحتواء النفوذ الإيرانى وبتحجيم من ترعاهم الجمهورية الإسلامية كحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى.
ما إن نشبت الحرب فى غزة، إلا وكانت رسائل الردع الأمريكية تتجه لمنع الهجمات الإرهابية ضد قواعدها ومنع الخطوات التصعيدية ضد قواتها من قبل أتباع إيران. بعد الأيام الأولى للحرب والتى لم تحدث بها هجمات فى سوريا والعراق، تحول الأمر مع استمرار القتل والدمار والكارثة الإنسانية فى القطاع إلى كر وفر بين الميليشيات الشيعية وبين القوات الأمريكية بضربات متبادلة. كر وفر يحمل بكل تأكيد احتمالية لاستمرار استنزاف تدريجى لواشنطن يورطها فى المزيد من العمليات العسكرية والاستخباراتية، ويحمل أيضا احتمالية تمدد سياق المواجهات بتدخل إسرائيل بضربات إضافية ضد أتباع إيران خاصة حزب الله، ويحمل أخيرا احتمالية تدخل الحرس الثورى الإيرانى مباشرة فى المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل بضرب حلفاء محليين لواشنطن فى سوريا والعراق.
دخلت جميع هذه الاحتمالات تدريجيا حيز التنفيذ بهجمات الميليشيات الشيعية على القواعد الأمريكية، وبضربات الولايات المتحدة وإسرائيل للميليشيات، وبهجمات الحرس الثورى الإيرانى على كردستان التى تدير شئونها حكومة حليفة لواشنطن وذات علاقات جيدة مع تل أبيب وتذرعت طهران لتبرير الهجمات بتهديد أمنها القومى من خلال مجموعات «مارقة» تنطلق من أربيل.
• • •
من جهة ثالثة، واجهت واشنطن بعد أيام من حرب غزة جبهة إضافية للتوترات الإقليمية هى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر. فقد تحركت جماعة الحوثى لمهاجمة السفن التجارية القادمة عبر باب المندب والمتجهة إلى إسرائيل موظفة مسيرات وصواريخ أمدتها بها إيران خلال السنوات الماضية. أضرت هجمات الحوثيين بخطوط الملاحة التجارية والدولية فى ممر مائى بالغ الأهمية للعالم، ممر مائى ينتهى بقناة السويس التى هى أقصر الطرق الرابطة بين آسيا ذات الإنتاج الصناعى الكبير ومنطقة الخليج ذات الإمدادات النفطية الضخمة من جهة وبين القارة الأوروبية التى تستورد صناعيا بكثافة من آسيا وتعتمد على بترول وغاز الخليج للوفاء باحتياجاتها من الطاقة.
لم تتوقع إدارة الرئيس جو بايدن تهديدات الحوثيين، ووجهت، كرد فعل مباشر، رسائل ردع إلى الراعى الإيرانى، وحين دخلت الهجمات الحوثية على السفن التجارية فى نسق تصاعدى سارعت الولايات المتحدة بتشكيل تحالف متعدد الأطراف للعمل عسكريا لتأمين خطوط الملاحة الدولية وحشدت قطعا إمكانيات بحرية بحثا عن ردع فعال. غير أن التحالف متعدد الأطراف الذى أعلن عنه والسفن الأمريكية والبريطانية التى تجمعت فى البحر الأحمر لم تسفر عن توقف هجمات الحوثيين، وهو ما دفع واشنطن بالتنسيق مع لندن للهجوم على مواقع مختلفة للحوثيين فى العمق اليمنى عدة مرات خلال الأيام القليلة الماضية.
كما على الجبهة اللبنانية وفى الساحتين السورية والعراقية، لا يبدو أن نسق الأفعال وردود الأفعال حول اليمن فى سبيله إلى خفض مناسيب التوتر الإقليمى عند المدخل الجنوبى لأحد أهم الممرات الملاحية فى العالم.
• • •
خطر تصاعد التوترات وتداعياتها الخطيرة على أمن الشرق الأوسط، وعلى إمدادات بعض السلع الصناعية الأساسية وإمدادات الطاقة، وعلى قناة السويس، وعلى شركات التجارة والملاحة الدولية وشركات التأمين المرتبطة بها يبدو حاضرا بقوة. كذلك تبدو حاضرة بقوة احتمالية اتساع نطاق المواجهات العسكرية بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وإسرائيل وبين إيران وأتباعها، لترتفع معها فرص الحرب الشاملة على امتداد المنطقة وربما فى جوارها أيضا (الهجمات العسكرية المتبادلة بين إيران وباكستان مثالا).