هل كسرت «حرب القيامة» إرادة غزة؟

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ

آخر تحديث: الأحد 19 يناير 2025 - 6:45 م بتوقيت القاهرة

فى ديسمبر 2023، سُئل وزير الخارجية الأمريكى السابق أنتونى بلينكن، لماذا لا تضغط بلاده على إسرائيل كى توقف حربها على غزة والتى سقط فيها نحو 18 ألف مدنى.. فأجاب: «لو استسلمت حماس وألقت سلاحها، قد تنتهى غدا.. ولو لم تقم الحركة بذلك فيتعين على إسرائيل اتخاذ خطوات ليس فقط للدفاع عن نفسها، لكن لضمان عدم تكرار ما جرى فى 7 أكتوبر».

كبير الدبلوماسيين الأمريكيين الذى عرف نفسه فى أول زيارة له إلى تل أبيب باعتباره «يهوديا فر أجداده من القتل»، طرح رؤية لوقف الحرب، تتطابق مع رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الذى أكد حينها أيضا أنه لا سبيل لوقف الحرب إلا باستسلام حماس وإعادة الرهائن، «حينها قد نناقش نفى قادة المنظمة الإرهابية بدلا من قتلهم».

إدارة الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن الذى تفاخر بأنه «صهيونى»، لم تكتف بإرخاء الحبل لدولة الاحتلال كى تحصد أرواح الشعب الفلسطينى بدعوى «الدفاع عن النفس»، بل دعمتها عسكريا وماليا ومنحتها غطاء سياسيا، وبلغ الأمر أنها تبنت قانونا لعقاب قضاة المحكمة الجنائية الدولية الذين أصدروا مذكرة اعتقال لنتنياهو لأنه متهم بارتكاب جرائم حرب.

اختلف بايدن وإدارته مع نتنياهو وحكومته فقط على الآليات، لكنهما اتفقا على هدف كسر شوكة المقاومة بـ«سحقها والقضاء عليها»، أو إرغامها على رفع الراية البيضاء وتسليمها السلاح والرهائن وإبعاد قادتها من القطاع، عقابا لها على إفساد طبخة واشنطن وتل أبيب للشرق الأوسط والتى كادت أن تنضج لولا «طوفان الأقصى».

راهنت أمريكا وإسرائيل على أن زيادة «الضغط العسكرى» واستهداف كل ما يمت للحياة بصلة فى القطاع، سيدفع الحاضنة الشعبية فى غزة إلى الكفر ليس فقط بـ«طوفان الأقصى» بل بالمقاومة المسلحة كفكرة ومسار لاسترداد الحقوق المهدرة. 

ظل بلينكن ومساعدوه يدعون حماس إلى تسليم السلاح، رسموا صورة لخروج قادة الفصائل من القطاع مطأطئى الرءوس وهم يرفعون الراية البيضاء، لتصدير مشهد «النصر المطلق» ولإثبات أن لا أحد بمقدوره مناهضة إسرائيل التى تعتبرها الولايات المتحدة قاعدتها المتقدمة فى الشرق الأوسط.

أراد الطرفان أن يكررا مشهد استسلام وخروج قادة منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982، بعد أن حاصرتهم  قوات الاحتلال الإسرائيلى لنحو 3 شهور، قتلت خلالها ما يقرب من 20 ألف فلسطينى ولبنانى ودمرت المنازل والمؤسسات، بهدف منع هجمات المنظمة على شمال إسرائيل وإنشاء منطقة عازلة تمتد حتى 40 كلم داخل الأراضى اللبنانية فى العملية التى أطلقوا عليها «سلامة الجليل».

كانت إسرائيل تستهدف من تلك العملية، بعد أمنت جبهتها مع مصر عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، إضعاف الوجود السورى فى لبنان وتغيير خريطة القوى فى الشرق الأوسط لصالحها، وإعادة تشكيل المعادلة السياسية اللبنانية بما يحسن موقفها التفاوضى فى أى محادثات سلام مستقبلية مع دول الطوق.

كان من نتائج تلك العملية التى نفذتها إسرائيل بدعم غربى أمريكى، إخراج ياسر عرفات ورفاقه من لبنان، وبعد أيام قليلة نفذ جيش الاحتلال مع حلفائه اللبنانيين مجزرة صبرا وشاتيلا. ومن قلب ركام تلك المعركة خرج حزب الله، لتتغير المعادلة ويخوض الحزب معارك أكثر عنفا وشراسة امتدت لأكثر من 4 عقود، فيما انتهى الحال بمنظمة التحرير بالتوقيع على اتفاقيات أوسلو، ليتحول من قبل بها من قادة المنظمة إلى سلطة تقمع نيابة عن إسرائيل المقاومين الذين يدافعون عن حقوقهم وكرامة شعبهم.

استئصال المقاومة، فكرة لا يمكن تحقيقها، فحتى لو نجحت إسرائيل فى القضاء على حماس والجهاد والحركتين الشعبية والديمقراطية وغيرها من الفصائل، فالبديل سيكون منظمات أكثر عنفا وشراسة.

الأجيال الجديدة التى عاصرت حرب غزة الأخيرة وشاهدت جيش الاحتلال وهو يدفن ذويهم وأصدقاءهم تحت الركام، لن تنكسر إرداتها كما تراهن إسرائيل، بل ستدفعهم مشاعر الثأر والانتقام إلى مواصلة المعركة أيا كانت نتائجها ومهما كانت الأثمان.

لم تتمكن إسرائيل من «هزيمة حماس بالحلول العسكرية»، وفق ما صرح به بلينكن قبل أيام، «وما جرى فى شمال غزة دليل على ذلك.. إذ فشل الجيش الإسرائيلى فشلا ذريعا»، حسبما أقر الجنرال إيغور إيلاند صاحب «خطة الجنرالات»، الذى أكد هو وغيره من ساسة وعسكريين إسرائيليين أن «حرب غزة لم تحقق أهدافها» وأن «المقاومة ستعيد بناء نفسها».

قد يستأنف نتنياهو عدوانه الذى أسماه «حرب القيامة» بدعوى أن حماس خرقت الاتفاق أو أنها تمسكت بالسيطرة على القطاع وأعادت تسليح أعضائها، مستندا على وعد الرئيس الأمريكى الجديد له، لكن حتى لو حدث ذلك فالمقاومة لن تموت والشعب الفلسطينى لن يستكين ويرفع الراية البيضاء.

قد تكون إسرائيل حققت مكاسب استراتيجية على مستوى الإقليم، بعدما انكسر محور الممانعة، لكنها لم تنجح فى هزيمة غزة أو كسر إرادة أهلها وإذلال مقاومتها، فرغم الخسائر والتضحيات الكبيرة، لايزال القطاع صامدا مقاوما.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved