رهان عالمى على الإخوان المسلمين

ديفيد إجناشيوس
ديفيد إجناشيوس

آخر تحديث: الأحد 19 فبراير 2012 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

بدأ اقتراب الرئيس أوباما من الإخوان المسلمين قبل ثلاث سنوات فى خطابه الشهير بالقاهرة يونيو 2009. وقد دعا عشرة أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين إلى الاستماع إلى الخطاب، واستمعوا إلى فقرة صيغت خصيصا لأجلهم:

 

«تحترم أمريكا حق جميع الأصوات السلمية الملتزمة بالقانون فى أن تحظى بالاستماع إليها فى جميع أنحاء العالم، حتى لو كنا نختلف معها، وسوف نرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة شريطة أن تحترم جميع مواطنيها».

 

ولم يحضر الرئيس المصرى حسنى مبارك الخطاب، ولكن كانت هناك رسالة له أيضا، عندما قال أوباما: «لم يحدث أبدا أن نجح قمع الأفكار فى القضاء عليها». وكان أوباما محقا بالتأكيد.

 

وقد حققت إدارة أوباما ما يمكن وصفه بأنه «الرهان العالمى» على نوايا الإخوان المسلمين السلمية. كما ساعدت الولايات المتحدة فى إضفاء الشرعية على طموحاتهم السياسية عبر التودد إليهم فى عام 2009، وعبر رفضها التدخل لإنقاذ الرئيس المصرى أثناء احتجاجات ميدان التحرير قبل عام، وقد ضمنت الولايات المتحدة تقريبا، بروز جماعة الإخوان المسلمين كقوة سياسية مهيمنة فى مصر جديدة.

 

ووصل الإخوان الآن إلى سدة الحكم مع فوز «حزب الحرية والعدالة» بنحو 50 فى المائة من المقاعد فى برلمان ما بعد الثورة فى مصر. وأصدر مسئولو الجماعة تصريحات مطمئنة وكتابات مؤيدة لحرية السوق. بل إن هناك فيديو إخوانيا لموسيقى الراب على يوتيوب، بإيقاع جذاب، يتضمن هذه اللازمة اللطيفة: «حرية بنحميها وعدالة بنبنيها». ويبدو كل ذلك مطمئنا. لكن الثقة فى جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها شريكا لم تختبر بعد إلى حد كبير، بل أن مسئولين فى الإدارة يقرون بأن التحول الديمقراطى فى مصر سار على نحو أسوأ مما كان متوقعا. وفى نفس الوقت تقود جماعة الإخوان المسلمين حركة المعارضة فى سوريا.

 

ولا شك أن جماعة الإخوان المسلمين مهمة لمستقبل العالم العربى كما أنها مازالت المنظمة الغامضة بالنسبة للغرب لذلك فمن المفيد مراجعة تاريخها. الواضح أن الجماعة منذ نشأتها وهى تركز على أهمية تحرير المسلمين من ألاعيب الغرب. ويعتبر هذا التطلع إلى الكرامة والاستقلال أقوى مطالب الإخوان، لكنه قد يجعل الجماعة شريكا صعبا.

 

●●●

 

وقد تأسست الجماعة عام 1928 على أيدى مصريين يعارضون الاحتلال البريطانى. وجمع مؤسسها، وهو مدرس يدعى حسن البنا، حوله ستة أصدقاء له يعملون لدى هيئة قناة السويس. ومنذ البداية، وضعت الجماعة إجراءات تفصيلية لدرء المخبرين. وسرعان ما انطلقت الحركة، التى كانت سياسية وثقافية ودينية فى نفس الوقت: ويشير أحد التقديرات إلى أن عدد أعضائها بلغ 200 ألف شخص بحلول 1938. واغتيل البنا فى 1949، بعدما هاجمت الجماعة حكم الملك فاروق الفاسد. وقام سيد قطب، وهو شهيد عظيم آخر لجماعة الإخوان المسلمين، بشحذ الرسالة المناهضة للغرب. وكان كاتب مقالات بارعا، شكل اصطدامه بالحياة الأمريكية فى أواخر أربعينيات القرن الماضى وقعا سيئا عليه. فبعد زيارته لنيويورك، وواشنطن، وكولورادو ولوس أنجلوس، خلص إلى أن «الروح ليس لها قيمة عند الأمريكيين».

 

ويظهر مقطع ورد فى كتاب لورانس ريات «البرج الماثل» اشمئزاز سيد قطب من الحرية الجنسية التى شاهدها فى أمريكا «فتاة تنظر إليك، تبدو كما لو كانت جنية ساحرة أو حورية هاربة من البحر، ولكن مع اقترابها، فإنك لا تشعر سوى بالغريزة الصارخة داخلها، ويمكنك أن تشم رائحة جسدها الملتهب، لا رائحة العطور ولكن اللحم، واللحم فقط». وعندما عاد قطب إلى مصر، انضم إلى الإخوان، ورفض جميع مساعى حكومة جمال عبدالناصر للانضمام إليه أو التعاون معه، وأعدم فى 1966.

 

وفى مواجهة قمع لا يلين، تطور التيار الرئيسى للإخوان إلى حركة سياسية تنكر العنف على الأوراق عل الأقل ومدت جذورها فى النقابات المهنية المصرية، وفازت بنحو 20 فى المائة من مقاعد البرلمان عندما سمح لها بخوض الانتخابات فى 2005. وقد تعلمت الجماعة التحدث بلغة أكثر تصالحية.

 

●●●

 

وبهذه النبرة المطمئنة، قال مسئولو الإخوان إنهم سوف ينافسون على 30 فى المائة فحسب من المقاعد فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة. لكنهم فى الواقع، خاضوا الانتخابات فى جميع الدوائر تقريبا، وفازوا بما يقارب الأغلبية. كما رتبت جماعة الإخوان المسلمين الفوز الحاسم فى الاستفتاء على التعديل الدستورى فى مارس الماضى بنسبة 77 فى المائة، وربط الإخوان التصويت بحماية النص الذى يعتبر الشريعة الإسلامية «المصدر الرئيسى للتشريع».

 

ويقول أوليفييه روى، وهو خبير فرنسى متخصص فى العالم الإسلامى، إن جماعة الإخوان المسلمين سوف تتعلم الديمقراطية من خلال ممارستها: «الثقافة الديمقراطية لا تسبق المؤسسات الديمقراطية، وإنما الثقافة الديمقراطية هى استيعاب هذه المؤسسات». ويضيف، إن هذا ما يراهن عليه أوباما فى الأساس.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved