مصر.. دولة مستوردة للغاز الطبيعى
وليد خدوري
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 فبراير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
يتوقع أن تصبح مصر دولة مستوردة للغاز الطبيعى خلال فترة قصيرة جدا ــ بحلول بداية العام المقبل، فى حال عدم إمكانية زيادة معدل الانتاج الى مستوى أعلى وفى حال استمرار المستوى المنخفض لأسعار الغاز الداخلية، بحسب نشرة «ميدل ايست ايكونوميك سرفى» ــ «ميس» المتخصصة بصناعة البترول الشرق أوسطية. ويعود السبب وراء هذه المتغيرات الاساسية فى صناعة الغاز المصرية الى انخفاض الارباح المتوقعة للشركات ومن ثم تأخر الاكتشافات والانتاج من الحقول العميقة جدا فى مياه البحر الابيض المتوسط.
تدل المعلومات الى نقص الانتاج الغازى المصرى مؤخرا على فترة ثلاث سنوات متتالية، اذ سجل أعلى مستوى له وهو 62.7 مليار متر مكعب خلال عام 2009، ثم انخفض تدريجيا الى نحو 60.6 مليار متر مكعب خلال عام 2012 ، مما يعادل انخفاضا بمستوى 3 بالمئة عن معدل 2009.
فى نفس الوقت، ارتفع مستوى الاستهلاك المحلى للغاز 10 بالمائة لعام 2011، رغم الاحداث الثورية وانخفاض المستوى الاقتصادى للبلاد، كما ارتفع معدل الاستهلاك خلال عام 2012 بنفس المعدل (10 بالمائة) ــ وهو معدل استهلاكى مرتفع جدا بالمقاييس العالمية. إن معدلات زيادة الاستهلاك هذه هى أعلى من معدلات انخفاض الانتاج، وهذا مؤشر غير مقبول، وغير متوقع.
●●●
لقد كان متوقعا، حسب نشرة «ميس» أن تزود الاكتشافات المستمرة فى البحر الابيض المتوسط الامدادات اللازمة لتلافى الزيادة فى معدل الاستهلاك، وأن يرتفع مستوى الانتاج الى نحو 69 مليار متر مكعب سنويا بحلول عام 2013. وكان الاعتماد الرئيسى فى زيادة الانتاج هذا على انتاج شركة «بى جى» البريطانية من حقل «غرب الدلتا العميق البحرى». ولكن التأخر والاخفاق فى بعض مراحل هذا المشروع أدى الى انخفاض الانتاج خلال عام 2012 نحو 1.2 مليار متر مكعب عما كان هو مخطط له، والمتوقع ايضا الى انخفاض اخر خلال عام 2013 بنحو 1.8 مليار متر مكعب عما كان هو مخطط له ايضا.
ولكن ، فى نفس الوقت، هناك بعض النجاحات الملحوظة. فقد استطاع كونسورتيوم لشركة «بى بى» البريطانية و «اينى» الايطالية» زيادة مستوى الانتاج الغازى الى 5 مليارات متر مكعب سنويا فى اواخر عام 2012 فى امتياز راس التينة البحرى، وفى زيادة الانتاج فى منتصف عام 2012 من حقل «سيث» الى ضعف المستوى السابق.
إلا أن الانتاج من حقل «دلتا غرب النيل» لشركة «بى بى» ، والذى كان مخططا له أن يكون من الحقول المصرية البحرية الأهم فى البحر الابيض المتوسط قد واجه تأخرا متكررا بسبب معارضة الأهالى تشييد معمل الانتاج فى أدكو. ورغم انه قد تم العثور على موقع جديد، إلا أن العمل فى المشروع قد تأخر نحو السنتين (من 2014 الى 2016) .
●●●
وتعانى الحقول المصرية الغازية فى البحر المتوسط من معدل انخفاض انتاجى يبلغ 10 بالمائة سنويا. من ثم، يتوجب العثور على حقول جديدة باستمرار للتعويض عن معدل الانخفاض فى الحقول القديمة، من اجل المحافظة على مستوى الانتاج، وهذه طبعا عملية باهظة الثمن من ناحية، ومعقدة وغير مضمونة من ناحية اخرى، لأنها تفترض استمرارية استكشاف حقول مهمة. ومن الجدير بالذكر، أن الحقول الغازية فى البحر الابيض المتوسط توفر نحو 72 بالمائة من مجمل الانتاج الغازى المصرى.
تعمل معظم شركات الغاز العالمية على تشجيع مشاريع تسييل الغاز من أجل التصدير، حيث تحقق ارباحا أعلى، بدلا من توفير الغاز للأسواق المحلية حيث توفر الحكومات الدعم للأسعار المحلية، ومن ثم ارباحا أقل للشركات. وهذا الوضع فى مصر لا يختلف عنه فى بقية أنحاء العالم.
أما بالنسبة لتصدير الغاز المصرى بالأنابيب، فقد انخفض التصدير الى الأردن منذ عام 2010 عن المستوى المتعاقد عليه (250 مليون قدم مكعب يوميا) الى نحو 100 مليون قدم مكعب يوميا حاليا. هذا، بينما توقفت كليا الصادرات الغازية الى إسرائيل بعد الثورة وبعد سلسلة من الانفجارات للخط فى العريش.
تأتى هذه التطورات فى نفس الوقت الذى تبحث فيه مصر على امكانية استيراد الغاز المسيل. والتحدى هنا ليس فى العثور على الامدادات، فهى متوفرة بما فيه الكفاية فى المنطقة، لكن التحدى فى الكلفة، إذ إنه سيتوجب استيراد الغاز المسيل بالأسعار العالمية فى نفس الوقت الذى فيه سعر الغاز مدعوم محليا ومن ثم أرخص بكثير من الأسعار العالمية. ومعنى ذلك هو عبء مالى جديد على خزينة الدولة وتحدى أكبر لاستكشاف الحقول الجديدة فى المياه العميقة للبحر الابيض المتوسط.
●●●
هناك عدة دول بالمنطقة التى تتوفر لها الامدادات بتصدير الغاز المسيل الى مصر، أهمها طبعا قطر ومن ثم الجزائر. لكن يبقى السؤال، ما هو السعر المعتمد للتصدير؟ والسؤال الأهم بالنسبة لمصر هو كيفية توفير الاموال اللازمة ــ ولو لسنوات محدودة الى أن يتم زيادة الانتاج ثانية، مما يعنى الاستمرار فى ترغيب الشركات فى الاستثمار لاكتشاف حقول جديدة تعوض الناقص فى الحقول القديمة.
مستشار فى نشرة ميس “MESS” النفطية