القمة العربية الأوروبيَّة التى طال انتظارها
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 12:40 ص
بتوقيت القاهرة
منذ عقود أربعة ونصف عقد من الزمن، غداة «حرب أكتوبر» العربية / الإسرائيلية عام 1973 انطلق الحوار العربى / الأوروبى بين جامعة الدول العربية والجماعة الأوروبية حينذاك. المبادرة الأوروبية لإطلاق الحوار كان وراءها فرنسا. انطلق الحوار فى آليات مختلفة وحقق دون شك بعض الإنجازات التى لم تكن بمستوى الطموحات ثم استمر بشكل متقطع وبقوة الواقع بعد أن فقد قوة الدفع ونشأت أطر «حوار متوسطية» أوروبية مع بعض العرب ودول أخرى مثل الشراكة الأورومتوسطية المعروفة بعملية برشلونة التى تحولت إلى الاتحاد من أجل المتوسط، الذى ولد فى عام 2008 كوريث لتلك الشراكة.
المبادرة الأوروبية أيضا هذه المرة لعقد «القمة الأولى» بين الطرفين كان محركها الرئيسى موضوعى الإرهاب والهجرة غير الشرعية خاصة من بوابتها الليبية وتداعياتها على أوروبا وبالطبع ازدياد القلق والمخاوف من حالة الفوضى والنزاعات المتعددة الأسباب والمتشابكة والمتداخلة فى الإقليم العربى والشاملة كلها لتداعيات سلبية ولو بأوقاتٍ وأشكالٍ مختلفة على استقرار وازدهار «الجار الأوروبى».. اعترفت فديريكا موجرينى الممثلة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبى «بالمفارقة الكبرى» وقوامها عدم حصول قمة مع أقرب شريك وهم العرب من حيث الجغرافيا والتاريخ والثقافة، فيما عقدت وتعقد أوروبا القمم مع منظمات إقليمية وقوى دولية مختلفة بشكل دورى.
والمفارقة التى لا تخفى على أحد أن القمة ستعقد فى ظل تحديات جمة تواجه عملية البناء الأوروبى وتهدد مسيرة هذا البناء. فأوروبا تشهد انتشار حركات شعبوية مناهضة للفكرة الأوروبية وانتخابات البرلمان الأوروبى فى مطلع مايو القادم ستعكس طبيعة الخارطة السياسية الجديدة فى أوروبا. هذه الحركات وكذلك حالة «المقاومة المتزايدة» للبناء الأوروبى تقتات على الأزمات الاقتصادية الحادة والتى ازدادت حدة وعلى الكلفة الباهظة للتوسيع السريع للبيت الأوروبى بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وكذلك لتداعيات الهجرة والإرهاب والمخاوف «والفوبيات» التى تثيرها هذه فى المجتمعات الأوروبية سواء على مستوى الهوية أو على المستوى المعيشة. هذه التيارات الشعبوية تقتات على عناوين تعكس المخاوف الحقيقية عند المواطن الأوروبى لكنها لا تحمل أجوبة عن هذه المخاوف بل تساهم فى إضعاف فكرة البناء والتعاون الأوروبى. على الضفة الأخرى من المتوسط يعيش العالم العربى ما وصفناه أكثر من مرة فى نظام فوضى إقليمية مفتوحة على احتمالاتٍ عديدة، تشهد جميع أنواع الحروب والصراعات التى تهدد مجتمعاته ودوله. والمفارقة الكبرى أن الاتحاد الأوروبى غائب بالفعل عن القيام بأى دور فعال فى النقاط الساخنة والمشتعلة فى المنطقة وعلى حدوده من اليمن إلى سوريا إلى ليبيا إلى الأزمة المتفجرة والمواجهة المفتوحة بين «الحلف الأمريكى العربى» وإيران كما انعكس ذلك أخيرا فى «مؤتمر وارسو» وتصاعد حدة تلك المواجهة. كذلك فإن عدم رمى أوروبا كجماعة بثقلها فى تلك المواجهة بسبب خلافات فى الموقف مع هذا «الحلف» من الاتفاق النووى مع إيران ومن كيفية التعامل مع السياسات الإيرانية فى المنطقة، ترك دون شك نتائج سلبية على علاقاتها مع عدد من الأطراف العربية الفاعلة فى تلك المواجهة. الاجتماع الوزارى العربى الأوروبى التحضيرى الذى انعقد فى مطلع هذا الشهر فى بروكسل عكس وجود خلافات وقراءات مختلفة للأولويات ولكيفية التعامل معها: الخلافات بالطبع حول كيفية بلورة صيغ عملية للتعامل مع هذه القضايا. أضف أن هنالك أولويات مختلفة بالفعل ضمن كل مجموعة حول أجندة التعاون التى يفترض أن تتبلور عن القمة: خلاف ليس حول المبادئ والإعلانات العامة بل فى المقاربات العملية لعدد من الملفات الشائكة والضاغطة ولو بأشكال مختلفة على الدول العربية والأوروبية وحسب الأولويات الفعلية لكل دولة. فإذا كان الجميع متفقا على أن التعاون أكثر من ضرورى ولمصلحة الكل بقى التحدى أمام القمة فى بلورة قواعد وآليات وبرامج وأهداف عملية لهذا التعاون المشترك وتوفير الدعم الفعلى له لينطلق ويستمر. القمة المنتظرة أكثر من ضرورة وسيكون مستوى المشاركة وصدور خطة عمل متكاملة وشاملة وليس فقط إعلانا عاما يعكس النوايا الطيبة والطموحات المشتركة ــ هما المؤشرين الرئيسيين على النتائج الفعلية للقمة وعلى حصول انطلاقة فعلية طال انتظارها لتعاون عربى أوروبى متعدد الأطراف ومتعدد الأبعاد ومفيد لا بل ضرورى للجميع وداعم لكل أنواع التعاون الوطنى الثنائى القائم أو القادم.