دق الأوتاد بين الناقد والتشكيلي
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 19 فبراير 2024 - 6:40 م
بتوقيت القاهرة
جدلية قديمة ومتجددة عن علاقة الناقد بالمبدع، وخاصة فى حقل الفنون التشكيلية، تفجرت قبل أيام خلال ندوة أقيمت بدار الأوبرا المصرية فى إطار معرض الناقد والفنان التشكيلى سيد هويدى الذى حمل عنوان «دق الأوتاد.. 24 عاما من الألفية»، وحضرها لفيف من الفنانين التشكيليين والنقاد والإعلاميين ومحبى الفنون الجميلة.
تساؤلات عدة فرضتها رؤية الناقد ورئيس تحرير مجلة «مسرحنا» الصادرة عن هيئة قصور الثقافة، محمد الروبى، وكلمات الناقد التشكيلى المستقل، أيمن أبوزيد، عن أعمال سيد هويدى التى ازدانت بها جدران قاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا، وغطت محطات من مسيرة صاحب المعرض الإبداعية على مدى 40 عاما.
هل يمكن أن يجتمع الناقد والفنان التشكيلى فى شخص واحد؟ أيهما سيقود الآخر؟ وهل يمكن للناقد أن يحد من حرية الفنان، أم سيكون هاديا ومبصرا وكاشفا له عن مواطن الضعف والقوة فيما يمتلكه من أدوات فنية تختلف بالضرورة بين مبدع وآخر، وفقا لحجم الموهبة التى يتمتع بها كل فنان؟
فى المقابل هل يمتلك المبدع عموما، والتشكيلى خصوصا، القدرة على تجاهل صوت الناقد بداخله؟ وهل يمكنه التحليق فى فضاء رحيب بعيد عن الأطر والقواعد التى يحتكم إليها الناقد، وإن كانت وليدة تراكمات وطبقات من الوعى بسير العملية الإبداعية؟
النقاش الذى أدارته الشاعرة نجلاء أحمد حسن، وشارك فى جانب منه، الدكتور عمرو حلمى وزير الصحة الأسبق، والفنان التشكيلى أحمد الجناينى، رئيس اتيليه القاهرة، والروائية منى ماهر، عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر، بالقطع لم يحسم الجدل بشأن العلاقة بين المبدع والناقد، أو يفك طلاسم ما يدور بعقل الفنان والناقد عندما يجتمعان فى شخص واحد، لكنه نشط الحواس النقدية والإبداعية وسط الحاضرين الذين راحوا يتأملون بروح جديدة لوحات سيد هويدى، التى كانت تحيط بهم.
وبفعل صداقة ممتدة، ومتابعة عن قرب، ظل هويدى لسنوات طويلة يتأرجح بين الكتابات النقدية والصحفية من جهة، والانتاج التشكيلى، من جهة أخرى، حيث قدم أعمالا تشكيلية لم يكن لها أن تميط اللثام عما بداخله من طاقة إبداعية فى مجال التصوير.
انقسمت روح هويدى بين «النقد والتشكيل» قبل أن يحسم قراره، منذ نحو عشر سنوات، لينخرط كلية فى مرسمه أو «بيت الألوان»، كما يطلق عليه، لنكتشف روحا جديدة لم نكن لنراها قبل أن تتدفق الفرشاة بألوانها الزاهية فى أعمال متنوعة، حجما وموضوعا، فيما يشبه الجداريات أو إرث أجداده من المصريين القدماء.
خلال الفترة الواقعة بين عامى 2104، و2024، أنتج هويدى، وفيما يشبه الفورة، العديد من اللوحات، بعد أن ركز على الفعل الإبداعى بما يحتاجه من جهد وإخلاص وتفرغ شبه كامل. فالإبداع الفنى كما يقول المثل الشعبى «زى الفريك ميحبش شريك» فجاء معرضه «بكسلة» عام 2016 بمركز الجزيرة للفنون بالزمالك، محاولا من خلاله، كما يقول: «البحث عن فرصة لاكتشاف أنفسنا، بعد زلزال التغيير فى عام 2011».
وفى عام 2018 قادت «نداهة اللون الأزرق» هويدى للعودة إلى جذوره فى محافظة دمياط حيث التقاء النهر بالبحر فكان معرض «النيل يبوح للبحر وينتظر جوابا»، قبل أن يقترب من «رؤى المصرى القديم فى الخلود وتخيله للجنة باللون الأزرق» فكان معرض «التعويذة 110»، عام 2019.
ثم يأتى معرض «ذاكرة الماء»، مايو 2023، قاعة الباب التابعة لمتحف الفن الحديث، والذى استوحى الفنان التشكيلى موضوعه من المياه واهبة الحياة، والتى تشكل ضلوعا لحماية مصر تارة، وخنجرا لأعدائها فى بعض الأوقات، حيث حملت لوحاته عن قناة السويس جرس إنذار مبكر لما يحدق بـ«هدية مصر للعالم» من أخطار.
وأخيرا ومع بداية عام 2024، استطاع هويدى «دق الأوتاد» لتثبيت مسيرته التشكيلية فى إطار بحثه الفلسفى عن سؤال الهوية الحائر: من نحن وإلى أين نحن ذاهبون؟ فى رؤية بصرية تقودها الألوان المشرقة والحركة الدافقة.