يوما المرأة العالمى والمصرى.. مخاوف وآمال
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
الاحتفال بيوم المرأة العالمى (٨ مارس) وكذلك بيوم المرأة المصرى (١٦ مارس) تقليد دأبت عليه الجمعيات والمنظمات النسائية فى مصر لسنوات طويلة ومعها العديد من الناشطين والمهتمين بقضية المرأة. وبينما كان الاحتفال فى العامين الماضيين قد تميز بتفاؤل واضح وباعتقاد أن ثورة يناير سوف تجلب أخيرا الحرية والعدالة للمرأة، إلا أن ما تابعته أو شاركت فيه هذا العام من مسيرات وتظاهرات ومؤتمرات جاء محملا بآمال واسعة ولكن أيضا بقلق وبشعور عميق بأن المرأة المصرية تمر بواحد من أخطر المنعطفات الحاسمة فى تاريخها المعاصر إلى حد جعل حتى وصف الاحتفال غير مناسب. وفى تقديرى ان هذا القلق العميق يجد مصدره ليس فيما طرأ على وضع المرأة موضوعيا من تغير وإنما فى الشعور بأن المناخ العام يمهد لتحول كبير ينبغى تداركه قبل فوات الأوان.
أول ما يثير القلق أنه بعد ما يزيد على المائة عام، هى العمر التقريبى لحركة تحرر المرأة المصرية التى رفعت مطالب الدستور والحرية والمساواة، تكاد الدائرة تكون قد اكتملت وعدنا مرة اخرى للمطالبة بحقوق كنا نتصور أنها صارت محسومة. عدنا إلى المطالبة بدستور عادل وبالمساواة بين الرجل والمرأة وبحقها فى العمل والترشح للانتخابات والمشاركة فى العمل العام وفى احترام صحتها وسلامتها كما لو كنا فى مطلع القرن العشرين مرة اخرى. الفارق أنه بينما كان المعارضون لحقوق المرأة منذ مائة عام يجهرون بمواقفهم وباقتناعهم بأن هناك فارقا عضويا ونفسيا وشرعيا بين الجنسين، فإن التحدى الأكبر الآن أمام المرأة المصرية أن خصوم المساواة صاروا أكثر دهاء وقدرة على «تمييع» القضية وأكثر حرصا على الادعاء بأنهم الأنصار الحقيقيون للمرأة والمدافعون عن كرامتها وعن شرفها والحريصون على وضعها المتميز فى المنزل وعلى مكانتها فى الأسرة، ولكن فى الواقع مقابل التضحية بوضعها المساوى للرجل فى المجتمع وإعادتها إلى خانة التبعية والمواطنة من الدرجة الثانية.
من جهة أخرى فإن هناك خوف متصاعد من إلغاء أو على الأقل تحييد الكثير من المكاسب القانونية والحقوقية التى انتزعتها المرأة المصرية لنفسها خلال العقود الماضية والتى صارت مهددة إما بدعوى أنها تتعارض مع الشريعة، أو أنها تراث دخيل على المجتمع المصرى، أو أنها من أعمال قرينة الرئيس السابق، بينما الحقيقة أنها مكاسب وحقوق شرعية ومعبرة عن مجتمع جديد وأن المرأة المصرية هى التى انتزعتها لنفسها ولم تأت منحة من أحد. صحيح أن القوانين لم تتغير كثيرا وأن مكاسب المرأة الحقوقية لا تزال قائمة فى نصوص تشريعات الأسرة والعمل والمواريث، ولكن مصدر القلق أن هناك تغييرا حقيقيا يحدث تدريجيا فى طبيعة القانون المصرى من جراء الدستور الجديد، وأن اضطراب نصوصه وغموضها بل وتناقضها فيما يتعلق بالمساواة وبحقوق المرأة وبدور هيئة كبار العلماء فى التشريع كلها تفتح الباب لمراجعة مكاسب المرأة القانونية. ويزيد من حجم القلق فى هذا المجال زيادة ظاهرة التلاعب واختراق القوانين المنظمة للحد الأدنى لسن الزواج ولحقوق المرأة المعيلة والعاملة بل ولحق المرأة فى ميراثها الشرعى، وذلك من منظور أن العرف والتقاليد أهم وأسمى من نصوص القانون.
ثم نأتى للعنف. وهنا أيضا يسهل القول إننا لسنا أمام ظاهرة جديدة وأن التحرش والجرائم الجنسية معروفة فى المجتمع المصرى. هذا للأسف صحيح، ولكن ما يبعث على القلق أننا نشهد فى الشهور الأخيرة تغيرا نوعيا لا ينبغى تجاهله باعتبار أن الظاهرة قديمة. ما كان تحرشا متفرقا وسخيفا تحول إلى شىء آخر، إلى عصابات منظمة واغتصاب حتى فى وسط الميدان واستخدام لأسلحة بيضاء وسوداء. والقضية هنا ليست فقط فى زيادة عدد الجرائم ولا فى درجة العنف المصاحب لها، بل فيما تحمله بوضوح من رسالة اجتماعية وسياسية، وهى أن خروج المرأة إلى الشارع والميدان ومشاركتها فى العمل العام وفى الاحتجاج وحديثها على شاشات التلفزيون وتصرفها بهذا القدر من الشجاعة والندية لن يمر مرور الكرام بل ستكون عواقبه وخيمة، وأن من تتعرض للتحرش أو الإهانة هى المسئولة بسبب فساد سلوكها أو ملبسها أو طول لسانها، وبالتالى فإن المرأة لن تسترد سلامتها إلا اذا عادت لقبول مكانة متدنية فى المجتمع، تتعلم وفقا لإرادة أهلها، وتتزوج فى الوقت الذى يختارونه، وتنجب حسبما يشاء زوجها، وتعمل ولكن دون أن تتمتع بثمار عملها، بل وتعىل أسرتها وقت اللزوم ولكن دون أن تستحق عن ذلك أى تقدير أو احترام.
وأخيرا فإن الاحتفال بيوم المرأة يأتى والوضع العام فى البلد شديد السوء اقتصاديا وأمنيا. صحيح أن أزمات السولار والبوتاجاز وانقطاع الكهرباء وانتشار العنف والبلطجة كلها ظواهر يعانى منها المواطنون جميعا، ولكن القاعدة الراسخة فى الاقتصاد والاجتماع أن الأضعف هو من يدفع الثمن الأكبر، وأن المرأة هى من يتحمل بالنصيب الأعظم من الركود الاقتصادى والبطالة ونقص الوقود لأنها تظل خط الدفاع الأخير عن منزلها وعن أولادها وحتى عن زوجها مهما قلت مواردها. أما فى سوق العمل فالمرأة هى التى يتم تشغيلها ــ خاصة فى القطاع غير الرسمى ــ فى أقل الأعمال شأنا، وبأجر لا يتساوى مع قرينها الرجل، ويتم الاستغناء عنها قبل غيرها مع أول بادرة للركود.
الوضع مقلق إذن ليس فقط بسبب تغيرات موضوعية حدثت بالفعل ولكن بسبب جو التهيئة والتعبئة المتصاعد ضد حقوق المرأة ومكانتها فى المجتمع ومكتسباتها القانونية ومبدأ المساواة بينها وبين الرجل.
مع ذلك فإن هناك ما يبعث على التفاؤل، وهو أن كل ما سبق يقابله أن العجلة قد دارت ولم يعد من الممكن وقفها أو إعادة تروسها للدوران إلى الخلف، وأن المرأة المصرية قد أدركت أن لها حقوقا وأنها ستحصل عليها إن عاجلا أم آجلا. سنوات التعليم، وعمل المرأة فى مختلف المجالات، ونشاط الجمعيات والمنظمات النسوية، والمعارك القانونية الضارية والمكاسب القيمة، كل هذا أحدث أثرا ومفعولا لا يمكن تجاهله ولا إلغاؤه. ولعل الأهم من كل ما سبق أن قضية المرأة، ربما أكثر من أى وقت مضى، لم تعد موضوعا يهم النخبة فقط بل تحولت إلى شأن جماهيرى يمس كل منزل وكل مجتمع، ولو تعددت وسائل التعبير عنه.