متى سيُعاد تصدير نفط السودان؟
وليد خدوري
آخر تحديث:
الثلاثاء 19 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
لا يزال النفط السودانى غائبا عن الأسواق العالمية بعد أكثر من سنة لانفصال جنوب السودان. وكان قد أعلن نائب وزير مالية جنوب السودان، السيد ماريال اوا يول فى أواخر شهر أغسطس الماضى أن «وزارة البترول والمعادن تتوقع بدء انتاج النفط من بعض الحقول فى شهر ديسمبر، 2012، أى بعد سنة تقريبا عن الانفصال عن جمهورية السودان»، وأضاف: «أن الإنتاج الشامل من أغلبية الحقول لا يتوقع قبل شهر يونيو 2013» من الجدير بالذكر، أن الريع المالى من صادرات النفط تشكل نحو 98 بالمئة من موازنة جنوب السودان، وصرح السيد يول، بأنه حتى فى حال عودة الصادرات النفطية فى موعدها، فستواجه الحكومة وضعا ماليا صعبا جدا، إذ إن احتياطنا المالى منخفض جدا، وحتى فى حال اتفاق نهائى ما بين جمهورية السودان وجنوب السودان، فإن التصدير لن يبدأ قبل أشهر عدة، نظرا للحاجة لتصليح وصيانة ما قد تم تخريبه أو عدم استعماله طوال الفترة الماضية، كما أن الشركات ستحتاج إلى الوقت اللازم للتعاقد مع موظفين وعمال جدد، ناهيك عن شراء معدات جديدة بدلا عن تلك التى قد تم تدميرها. وتوقع المسئول السودانى الجنوبى: «إن تسلم الريع المالى الناتج عن الصادرات النفطية سيأخذ وقتا طويلا، نظرا لتعقيد المشاكل الأخرى الواجب الاتفاق عليها مع جمهورية السودان».
تشير المصادر النفطية المعتمدة إلى أن الاحتياطى النفطى فى كل من جمهورية السودان وجنوب السودان يتراوح ما بين 5 و7 بلايين برميل، معظمها فى حقل مقلد فى الجنوب. كما تتراوح الاحتياطات الغازية بنحو ثلاثة تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى، لكن نظرا إلى الاضطرابات السياسية فى البلاد، لم يتم تطوير القطاع الغازى بشكل فعال حتى الآن. وتحتل الشركات الآسيوية (بالذات الصينية منها) الصدارة فى تطوير قطاع النفط، بالإضافة إلى دور ضئيل لشركات نفطية عربية خاصة. وقد انتهزت الشركات الآسيوية فرصة تطوير احتياطات شرق أوسطية جديدة لتعزيز موقعها فى البلاد، بالذات بعد احتجاب الشركات الأمريكية والأوروبية بسبب العقوبات والضغوطات التى فرضتها حكوماتها عليها. وقد تراوح الإنتاج النفطى السودانى ما بين 300 ألف و400 ألف برميل يوميا، تم تصدير معظمه إلى الصين ودول آسيوية أخرى.
المشاكل مع جمهورية السودان
من الجدير بالذكر، أن الصادرات النفطية من جنوب السودان لا تزال متوقفة، نظرا للمشاكل العالقة مع السودان. هذا، مع العلم أن الحكومة السودانية كانت قد وقعت اتفاقية شاملة مع الثوار تحدد فيها طريقة توزيع الريع النفطى ما بين الطرفين، مما اعتبر حلا نموذجيا لحل الخلافات قبل إعطاء حق تقرير المصير لاستقلال الجنوب. من الجدير بالذكر أن نحو 75 بالمئة من النفط السودانى متواجد فى جنوب السودان، بينما خط أنبوب التصدير الوحيد عبر البحر الأحمر يعبر جمهورية السودان. من ثم ضرورة التعاون بين الدولتين، أما إلى حين العثور على حقول نفطية جديدة فى جمهورية السودان تقلب ميزان الاحتياطات النفطية لصالح الخرطوم، أو قيام جوبا بتشييد خطوط تصدير بديلة عبر دول مجاورة تعوض الاعتماد الكلى على جمهورية السودان. ومن المعروف أن الدولتين قد بادرا فعلا فى تنفيذ هذه البدائل، رغم صعوبتها وكلفتها. كما أن الدولتين قد نفذا بسرعة وقبل أى أمر آخر استقلالا كاملا وشاملا لصناعتهما النفطية الواحدة عن الأخرى.
شكل النفط محورا أساسيا فى الصراع السياسى والمعارك العسكرية ما بين البلدين خلال الأشهر الماضية، كذلك كان النفط الموضوع الأساسى فى المفاوضات التى رعتها منظمة الوحدة الأفريقية بخصوص قيمة ترانزيت النفط عبر جمهورية السودان. وفى غياب الإرادة السياسية للتوصل إلى اتفاق جدى، طرح الجانبان شروطا تعجيزية جعلت من الصعب التوقيع على اتفاقية ترانزيت. فقد طالبت الخرطوم بضريبة ترانزيت بقيمة 32ــ36 دولار للبرميل، وهو سعر عالٍ جدا قلما تم اعتماده فى دول أخرى، بينما طالبت جوبا، من جانبها، بسعر منخفض لا يتعدى بضعة دولارات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وهذا ما هو معتمد عادة فى اتفاقيات الترانزيت العالمية. ومن ثم، لم يتم الوصول إلى اتفاق نهائى.
تشييد أنابيب تصدير جديدة
أدى الإخفاق إلى التوصل لحل نهائى حتى الآن لجوء جوبا إلى دراسة تشييد انابيب تصدير جديدة للنفط الخام تعبر دولا أخرى غير جمهورية السودان، وتوفر المجال لإيصال النفط إلى ساحل المحيط الهندى ومن ثم الإبحار مباشرة إلى الأسواق الآسيوية. لكن، وكما هو معروف، فإن تشييد أنابيب يبلغ طولها آلاف الكيلومترات وتمر فى دول مجاورة، عملية بالغة التكاليف ومعقدة سياسيا. فعلى سبيل المثال، تقدر تكاليف أحد الأنابيب المقترحة (طوله 2000 كيلو متر)، وهو تصدير النفط من ميناء لامو الكينى، تقدر التكاليف بنحو ثلاثة مليار دولار. طبعا من الصعب جدا أن تمول جوبا تكاليف الخط، إذ ستتحمل الشركات المنفذة له تدبير معظم التمويل، لكن مع تمويل جوبا لبعض التكاليف، ذلك من خلال رهن بعض احتياطها النفطى لهذا الغرض. ويتوقع أن يبدأ تشييد الخط فى شهر يونيو المقبل، على أن ينتهى العمل به خلال فترة سنتين. لكن المشكلة فى تشييد خطوط تصدير عبر دول مجاورة هى العلاقات السياسية مع هذه الدول، الآن ومستقبلا. وهذه العلاقات تقرر قيمة سعر الترانزيت، واحتمال طلب هذه الدول حصة معينة من النفط، أما بالأسعار الجارية، ولكن غالبا بأسعار مخفضة، ناهيك عن إمكانية إغلاق الخط فى حال نشوب خلافات سياسية ثنائية، وما أكثرها ما بين دول العالم الثالث، كما علمتنا التجارب.
كما هناك مشروع آخر لتشييد خط تصدير عبر اثيوبيا وجيبوتى، على أن يبدأ تشييد الخط فى عام 2013 أيضا. لكن من الواضح، انه رغم التوقيع مع الحكومات المعنية على المشروعين، وعلى بدء التنفيذ خلال هذا العام، فمن الصعب تصور تنفيذ الخطين سواسية، إذ أن هذا يجعل من الصعب جدا الحصول على الأموال اللازمة، كما أن كمية النفط المنوى تصديره غير كافية لإنجاح المشروعين، ناهيك عن الخط الثالث عبر جمهورية السودان. لذا، يتوقع أن يكتفى جنوب السودان بتشييد خط واحد جديد فقط فى المستقبل المنظور.
عقود نفطية مع إسرائيل
أعلنت جوبا فى شهر يناير الماضى، فى خطوة مفاجئة، توقيع عقودا لبيع النفط الخام لشركات إسرائيلية. واعتبر المراقبون تصدير النفط الخام مباشرة إلى إسرائيل، وعبر شركات إسرائيلية، خطوة مهمة اخرى لتكريس النفوذ الإسرائيلى فى افريقيا الشرقية أو فى القرن الافريقى. وبما انه لا يتوقع تصدير النفط عبر جمهورية السودان، من ثم تبقى امكانية التصدير متوفرة فقط عبر أحد الأنابيب الجديدة المزمع انشاؤها إلى المحيط الهندى. ومن المعروف، أن هناك عقودا عدة مع شركات خدمية وهندسية اسرائيلية فى مشاريع المياه فى جنوب السودان. ومن الطبيعى، فإن زيادة الوجود الاقتصادى الإسرائيلى فى جنوب السودان سيزيد من مخاوف جمهورية السودان تجاه جوبا.
مستشار فى نشرة ميس «MEES» النفطية